عندما تبلغ العظمة ذروتها ومجدها فإنها تري المثل الأعلي لها مجسدا في صاحب الرسالة الكبري نبي الأمة والإنسانية ـ محمد صلي الله عليه وسلم اعظم العظماء الذي أنشأ دولة الحق والعدل وصنع أمة بنيت علي الإيمان بالله الواحد الأحد والاعتماد علي الإنسان المؤمن ليعمر الأرض ويبني الحياة ويتجه لخالقه بالعمل والعبادة.
وميلاد محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ كان ومازال حدثا له شأن في تاريخ الإنسانية فقد اطلق العقول من أسرها ومزق خيوط الظلم واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان وتهاوت أعمدة الشرك والضلال والإنحراف, كما كان الميلاد الشريف إيذانا وإعلاما إلهيا ليخرج البشرية من الظلام إلي النور ومن الجهل إلي العلم ومن الضلال إلي الهدي ومن الكفر إلي الإيمان ومن الطغيان والهيمنة إلي الحرية والعدل وصدق الله عزوجل: هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
وقد أحاط الله محمدا ــ صلي الله عليه وسلم ــ بعنايته ورعايته ليكون اهلا لحمل اعظم رسالة للبشر جميعا تبني الدنيا في ظلال الدين ليجمع الإنسان بين خيري الدنيا والأخرة وصدق الله تعالي: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا.. وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
أشرقت دعوته ــ صلي الله عليه وسلم ــ تدعو الناس إلي الحق والخير وإلي طريق مستقيم فكانت سلاما وهدي ورحمة عاش للناس في ظلها اخوة متحابين, متعاونين, متضامنين, يسودهم الود ويشملهم الوئام فلا ضرر ولا ضرار ولا بغي ولا عدوان بل رشاد وبر وتقي ومودة وصدق ربي عزوجل إذ يقول لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم.
وأرشد صلي الله عليه وسلم إلي ما يقوي بنيان ودعائم هذه الأمة ففي حديثه الشريف يضرب هذا المثل الواعي:
مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمي والسهر.
وبهذه المعاني السامية ربي نبي الإسلام ابناء هذه الأمة فعاشوا اخوة متحابين متناصرين وامتد سلطان الإسلام يفتح القلوب بالمحبة الصادقة امتثالا لقول الله عزوجل: إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.
كان صلي الله عليه وسلم امام المجاهدين قوة نفس ورباطة جأش ومضاء عزيمة وصبرا عند الشدائد وثباتا عند المواقف الصعبة, لا يهتز له قلب ولا يتزعزع منه يقين قويا في أحلك الأوقات واحرجها, وقف وحده يدعو إلي الله بين قوم غلاظ القلوب يصدون ويؤذون اتباعه ويتنكرون له وهو لا يبالي ولا يعرف اليأس طريقا إلي نفسه, وعندما حاوره عمه في أمر دعوته ورأي في حديثه شيئا لم يرض عنه اعلن كلمته الخالدة: والله ياعم, لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري, علي ان اترك هذا الأمر ما تركته حتي يظهره الله أو اهلك دونه
كما كان ــ صلي الله عليه وسلم ــ في الميدان القائد الشجاع الحكيم الخبير بفن الحرب ومكايد العدو وطرق احباطها فقد كان يجمع اصحابه للقتال إذا فرضت عليه الحرب ردا للعدوان ودفاعا عن الوطن والعقيدة فيسوي صفوفهم ويشاورهم ويعد الخطة معهم ويبعث السرايا ويستطلع اخبار عدوه ويكتم خطته ويباغت بها اعداءه كما كان ــ عليه الصلاة والسلام ــ جيشا وحده حينما يشتد البأس فلقد وقف ــ صلي الله عليه وسلم ــ يوم حنين وقفة يشهدها التاريخ كان لها الأثر الفاصل في تحويل الهزيمة يومها إلي نصر حينما اندفع وحده في صفوف الأعداء قائلا: أنا النبي لا كذب أنا أبن عبد المطلب فكان نداؤه عليه الصلاة والسلام الدفعة القوية التي جمعت صفوف الجيش وشدت أزره فهجم علي عدوه وانتزع النصر لتظل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلي والله عزيز حكيم.
في مكة.. مكث صلي الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة يجاهد في سبيل الله, بالقول الكريم والموعظة الحسنة والحجة البالغة وقف في إصرار وصمود يرفض طلب الدنيا ويرتفع عن الجراح ويبحث عن متنفس لدعوته بكل واد ويطرق لإبلاغ رسالته كل باب حتي هاجر بدعوته إلي البلد الكريم المدينة المنورة وفي المدينة جمع الصفوف وآخي بين المهاجرين والانصار ووحد الكلمة فترابطت جبهة الإيمان ووقفت تتحدي العدوان ولم تمض الا سنوات قلائل حتي هزم الطغيان وأبيدت الاصنام والاوثان وعادت مكة إلي حضن الإسلام وأصبح أعداء الأمس هم أعمدة الدعوة واركانها في أول دولة اسسها النبي صلي الله عليه وسلم وقامت دعائمها علي توحيد الله إلها واحدا منزها عن الشريك والولد, وعلي أن محمدا صلي الله عليه وسلم هو خاتم الإنبياء والمرسلين وان الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلي البشر جميعا وان هدفه هو الإنسان خليفة الله في كونه يسير فيه ويتدبر آيات الله في آفاقه ويعمره بالعبادة والعلم والعمل ويجعل منه واحة للخير والعدل والأمن والأمان والسلام بين البشر بعيدا عن التسلط والقهر حتي تتحقق للإنسان عزته وكرامته كما يريد الله, وذلك جوهر الإسلام ورسالة نبي الأمة والإنسانية ــ محمد صلي عليه وسلم.
سيدي يارسول الله ما أشد حاجة المسلمين اليوم إلي شريعتك وتعاليمك والاقتداء بسيرتك ومنهجك وان يشع في حياتنا واوطاننا الضياء والصفاء وتتفتح القلوب والعقول علي كل القيم والمثل العليا التي دعوت اليها وغرستها نبيا وليدا في دماء اتباعك ندعو الله ان يستمر نماؤه فينا علي مر الأزمان ليبقي منهج القائد والزعيم محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ منارة نور وهداية توضح لنا معالم الطريق في عالم اليوم المضطرب الذي يبتعد عن دائرة الإيمان ويسير في اتجاه التعصب والحقد والكراهية وسيطرة الأنا..
وثقتي الكبيرة تكمن في أننا لن نضل الطريق ولن تنطفيء الشعلة في أيدينا مادمنا نحتفظ بك سيدي يارسول الله في قلوبنا وعقولنا ودمائنا قرآنا يتلي وسيرة تعطينا المثل والقدوة ومسيرة تمنحنا العزة والقوة, والمسلمون بالله وبك هم الأقوي صلي الله وسلم عليك وجزاك عن امتك خيرا.