تعريف الوصية وبعض الألفاظ المشابهة
الوصيــــــة:
- هي تمليك مضاف إلى ما بعد الموت عن طريق التبرع سواء أكان المملك عينا أم منفعة.
- تعريف
مدونة الأسرة: هي عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقده يلزم بعد موته.
- تعريف المالكية: عقد يوجب حقا في ثلث مال العاقد يلزم بموته أو يوجب نيابة عنه بعد موته.
- تعريف بعض الحنابلة: هي الأمر بالتصرف بعد الموت أو التبرع بالمال بعده.
- تعريف الشافعية والحنفية: هي إقامة الإنسان غيره مقامه بعد وفاته في تصرف من التصرفات أو في تدبير شؤون أولاده الصغار ورعايتهم.
الوكــــــالة:
- عند الحنفية: هي إقامة غيره مقام نفسه في التصرف الجائز المعلوم ممن يملك التصرف.
- عند الشافعية: هي تفويض شخص ماله فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته.
الصلة بين الوصية والوكالة:
- التشابه: كلاهما يفيد إقامة غيره مقام نفسه.
- الفرق: الوصاية تكون بعد الموت أما الوكالة فتكون في الحياة.
الهبـــــــة:
هي تمليك مال لأخر بلا عوض (الفاعل: الواهب- المال: موهوب- من قبله: موهوب له)
التمييز بين الهبة والوصية:
- التمليك المستفاد من الهبة يثبت في حينه. أما التمليك المستفاد من الوصية لا يثبت إلا بعد الوفاة.
- الهبة لا تكون إلا بالعين أما الوصية فتكون بالعين وبالدين وبالمنفعة.
- الوصية لا تجوز إلا بمقدار الثلث أو أقل في حين يجوز أن يهب المرء كامل ما يملك.
الحكمة من مشروعية الوصية
الوصية من النوع الذي أتت النصوص الشرعية لبيان الحكمة من تشريعها، ذلك أن الوصية من محاسن الإسلام إذ جعل لصاحب المال جزءا من ماله يعود عليه ثوابه وأجره بعد موته. وهي من لطف الله تعالى بعباده ورحمته لهم حينما أباح لهم من أموالهم عند خروجهم من الدنيا أن يتزودوا لآخرتهم بنصيب منها وبالتالي تدارك ما فاتهم.
ومن الجوانب المفصلة لحكمة تشريع الوصية نجد:
- وصية التمسك بعبادة الله وهي أعظم الوصايا والكثير يغفل عنها، قال تعالى: [أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي، قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون] فهي وإن كانت وصية من يعقوب لأبنائه بالتمسك بعبادة الله فهي وصية من رب العالمين لعبادته ويزكي هذا قوله تعالى: [ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون].
- أنها تبرأ بها ذمة الموصي مما يحدث بعد موته من جهل في الدين.
- تبرأ ذمة الموصي مما يكون خاصة في حالة الدين حيث يوصي بتسديد ديونه.
- الوصية صدقة بالمال تصدق الله بها على الموصي بعد وفاته.
مقاصد الوصية بالمال
- تفتيت الثروة التي تجتمع في يد واحدة على مستحقيها بالإرث وبالوصية.
- تحقيق التكافل الاجتماعي والحد من ظاهرة الفقر.
- إشاعة المحبة والخير بين أصحاب المال والمحرومين غير الوارثين.
تدارك المسلم ما فاته من خير في حياته وصلته لأرحامه الفقراء غير الوارثين.
حكم الوصية
الوصية يدور حكمها بين الإيجاب والاستحباب والكراهة والتحريم والإباحة بحسب حكمها الشرعي.
1. الوصية الواجبة: وهنا نميز بين مجموعة من الحقوق الواجبة التأدية لتبرئة ذمة الشخص:
* الحقوق الواجبة على الشخص لله (عليه بيان الحق وقدره مثل الكفارات).
* الحقوق الواجبة على الشخص للناس (مثل الديون عليه أن يبين كل ما يتعلق بهذه الديون).
* الحقوق الغير مالية كأن يكون له أولاد دون سن الرشد، فالواجب في هذه الحالة أن يكتب وصية يعهد فيها إلى شخص ذو ثقة عنده.
* الأقرباء الفقراء الغير الوارثين تجب الوصية في هذه الحالة على الغني.
ولا تجوز الوصية بأكثر من الثلث وليس للموصي أن يوصي بجميع أمواله مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا إبراهيم عن الزهري عن عامر بن سعد بن مالك عن أبيه قال عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من مرض أشرفت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال فأتصدق بشطره قال الثلث يا سعد والثلث كثير إنك أن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"
2. الوصية المستحبة: وهي الوصية المسنونة أي هي التي كان الموصي ذا مال وكذلك ورثته وأقاربه فهنا يوصي بما يراه نفعا له بعد موته.
3. الوصية المكروهة: وتكون كذلك إذا كان مال الموصي قليل وورثته فقراء محتاجين ففي هذه الحالة يضيق على ورثته بالوصية.
4. الوصية المحرمة: وهي التي لا تجوز مثال الوصية لأهل المعصية والفجور للإنفاق على ما هو ضار بالمسلمين وبأخلاقهم. وكذلك الوصية التي تكون بقصد الإضرار بالورثة ومنعهم من أخذ نصيبهم المقدر شرعا.
5. الوصية المباحة: ومثالها الوصية للأبناء من الأجانب والأقارب.
تنفيذ الوصية
إن تنفيذ الوصية يشرع فيه بعد وفاة الموصي وهكذا إن كانت هذه الوصية حالة أي أنها في أمر يكون بعد موته مباشرة فهنا يجب تنفيذها في الحال.
* بالنسبة للمدونة (المادة 298) فقد أعطت الأولوية لتنفيذ الوصية لمن عينه الموصي ووفق إرادته بتنفيذها فإذا لم يعين من ينفذ وصيته فقد أجازت المدونة للأطراف الاتفاق على صيغة تنفيذها وإلا قام بذلك من يعينه. القاضي.
وقد أضافت المدونة (المادة 299) عدم تنفيذ الوصية في تركة استغرقها الدين إلا إذا أسقط الدائنون ديونهم على الموصي.
الإضرار بالوصية
وهنا نميز بين:
* الإضرار بالوصية من قبل الموصي من خلال أن يوصي بأكثر من الثلث أو أن يوصي لغير الوارثين مع العلم أن الوارثين محتاجين أو أن يفضل بعض الورثة على البعض الآخر أو أن يخرج المال مضارة بالورثة.
* الإضرار بالوصية من قبل الموصى إليه من خلال إهمالها أو عدم القيام بها أو يتصرف فيها بما ليس فيه مصلحتها وإفسادها.
أركان الوصية وشروطها
إن اختلاف العلماء حول أركان الوصية مرده إلى مفهوم الركن،
- يرى المالكية والشافعية والحنابلة أنه ما يتوقف عليه وجود الشيء وتصوره العقل سواء كان جزءا منه أم لا أو مختصا به كالبائع والمشترى والمبيع في عقد البيع.
- يرى الأحناف أن الركن هو ما توقف العقد عليه وكان جزءا منه مثاله الإيجاب والقبول في العقد، وبالتالي فالوصية ركن واحد وهو الإيجاب فقط من الموصي وهذا ما انصبت عليه مدونة الأسرة (284).
وهنا يجب التمييز بين اعتبار الوصية من الإيقاعات لا من العقود على أساس أن الإيجاب صورة للعقد ومصدر له. وبين الفقهاء الذين يعتبرون الوصية عقدا من العقود بين طرفين موجب وقابل، وأما بالنسبة لبقية المعاملات فقد أجمع الفقهاء على أن الصيغة في العقود لا بد منها وأطلقواها فيها على الإيجاب والقبول كليهما.
وأما الإيقاعات فلا يحتاج فيها إلى أكثر من إبراز إرادة واحدة.
بالنسبة لجمهور العلماء من الشافعية والحنابلة والمالكية فقد قالوا بأن للوصية أربعة أركان:
أولا: موصي: وهو صاحب الوصية ويشترط فيه صحة وشروط نفاذ.
* بالنسبة لشروط صحة فهي:
- أن يكون أهلا للتبرع أي كامل الأهلية وكمال الأهلية يكون بالعقل والبلوغ والحرية والاختيار وعدم الحجر لسفه أو غفلة.
- أن يكون غير هازل ولا مكره ولا مخطئ ومدونة الأسرة فترى في الموصي شرط الرشد واعتبرت الوصية صحيحة من المجنون حالة إفاقته ومن السفيه والمعتوه.
وبخصوص الرشد فيمكن التمييز بين رأي الأحناف والمالكية والحنابلة أن الرشد هو إصلاح المال فقط.
ورأي الظاهرية أن الرشد صلاح الدين دون المال.
والرأي الوسط للإمام الشافعي الذي جعل الرشد مركبا من أمرين إصلاح المال وصلاح الدين
* بالنسبة لشروط نفاذ الوصية:
- ألا يكون مدينا بدين يستغرق كل التركة (مدونة الأسرة).
- ألا يكون معتقل اللسان فإذا طرأ على اللسان مرض منعه من النطق فنفاذ الوصية لا يكون إلا بأمور وهي:
إذا استمر لسانه معتقلا فترة طويلة بحيث يكون كالأخرس فهنا تصح وصيته بالإشارة والكتابة وغيره.
أن يكون مريضا مرضا مزمنا في لسانه آيس من شفائه فإنها تصح أيضا وصيته بالإشارة التي يخاطب الناس بها. وإذا كا ن مرضه عارضا وليس له إشارة معتمدة ولا يستطيع الكتابة فلا تصح. أما بالنسبة لمدونة الأسرة فإن الوصية تنعقد بما يدل عليها من عبارة أو كتابة أو إشارة مفهومة إذا كان الموصي عاجزا. فيما ذهب المالكية إلى الاعتداد بكتابة الناطق.
ثانيا: الموصى له: وهو من تعين له الوصية، ويشترط في الموصى له صحة وشروط نفاذ.
* بالنسبة لشروط صحة:
- أن يكون موجودا وقتها وكذا لمن كان محتمل الوجود في المستقبل سواء عند الوفاة أو بعدها. وهو ما جاء في المدونة (أن الوصية تصح لمن كان موجودا وقتها أو منتظر الوجود).
- أن يكون معلوما أما مجهول العين فلا تصح له الوصية ويكفي العلم بالوصف. والجهالة قد تكون:
+ بمعنى الإبهام وهنا لا تصح الوصية إلى المبهم.
+ بمعنى عدم التعيين وهنا يمكن إزالتها من الموصي أو الورثة أو غير ذلك لتصح الوصية.
وقد اشترط الجمهور أن يكون الموصى له موجودا إذا كان معينا وإلا فلا يشترط أن يكون موجودا عند الوصية.
وتبطل الوصية إذا تعذر وجود الموصى له في المستقبل فيما تجوز الوصية لجهة معينة من جهات الخير ستوجد مستقبلا.
- أن يكون الموصى له أهلا للتملك.
- أن يكون غير قاتل لموصي.
وهنا اختلاف، إن كان القتل عمدا وأجازها الورثة تصح عند الأحناف وأما إن كان القتل خطأ وأجازها الورثة صحت.
* بالنسبة لشروط نفاذ الوصية في الموصى له:
- ألا يكون الموصى له وارثا، وهنا اختلف أهل العلم حيث ذهب الجمهور إلى إجازتها إذا سمح الورثة، فيما ذهب البعض الآخر إلى إبطالها وإن سمح الورثة لقوله صلى الله عليه وسلم "لا وصية لوارث" إلا أن قول الجمهور هو الأصح والأرجح لقوله صلى اللع عليه وسلم "لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة".
ويشترط لصحة الإجازة شرطان:
أ- أن يكون المجيز من أهل الشرع وعالم بالموصى به.
ب- أن تكون الإجازة بعد موت الموصى.
أما بخصوص المدونة (لا وصية لوارث إلا إذا أجازها الورثة غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الإشهاد بها).
- قبول الموصى له بالوصية فإن لم يقبلها بطلت. بالنسبة للمدونة (الوصية لشخص معين ترد برده، إذا كان كامل الأهلية والوصية لغير المعين لا تحتاج إلى قبول ولا ترد برد أحد).
ملاحظة : لا يشترط إسلام الموصي والموصى له حيث تجوز الوصية من المسلم إلى الكافر بشرط كونه معينا وأن لا يكون محاربا للمسلمين أما إن كان مرتدا فهنا قولان والصحيح أنها لا تصح له.
ثانيا: الموصى له: أي متعلق الوصية.
أي ما تحمله الوصية من قول أو كتابة أو ما يقوم مقامها. ويشترط في الموصى به شروط صحة وشروط نفاذ.
* بالنسبة لشروط صحة:
- أن يكون الموصى به مالا قابلا للثوارت.
- أن يكون الموصى به متقوما في عرف الشرع الحنيف.
- أن يكون قابلا للتمليك. لكن إن أوصى بما لا يقدر على تسليمه صحت الوصية به وللموصي السعي في تحصيله.
- أن يكون مباحا حيث يحرم تنفيذ الوصية المشتملة على معصية الله ورسوله.
- كونه بعد موت الموصي فإن كان قبله فهو هبة وليس وصية.
* بالنسبة لشروط نفاذ الوصية في الموصى به:
- ألا يكون مستغرقا بالدين.
- ألا يكون الموصى به زائدا عن ثلت الشركة إذا كان للموصي ورثة.
وهنا إشكالية، إن أوصى الموصي قبل موته لغير الورثة بأكثر من الثلت فأجازها الورثة فلما توفي رجع الورثة فيما أجازوه، فهل يعتد بردهم وتراجعهم هذا.
وهنا خلاف بين أهل العلم.
فمنهم من قال بسقوط حقهم ماداموا أذنوا للموصي بذلك.
ومنهم من قال بأن لهم الرد وعدم قبول الوصية ولا تلزمهم إجازتهم حال حياة الموصي لأن الأصل أنهم لا يملكون حق الإجازة أو الرد إلا بعد موت الموصي.
وهذا ما عليه أهل العلم من الجمهور أي متى أجاز الورثة لغير وارث أو أجازوا بالوصية وقبلوا بها للوارث حال حياة الموصي فلهم حق الرد بعد مماته لأنهم غير مالكين لها قبل وفاته.
الإسراف في الوصية
يعتبر الثلث هو الحد الأعلى في الوصية إذا كان للميت وارث ولم يتفقوا على الحد الأدنى مع استحباب الأقل من الثلث سواء كان الورثة أغنياء أم فقراء لقوله صلى الله عليه وسلم "الثلث والثت كثير".
تعليق الوصية على شرط:
لا تكون الوصية حال الحياة لأنها بصيغتها عقد مضاف إلى ما بعد الموت.
وقد نصت المدونة على صحة تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا أي ما فيه مصلحة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية.
رابعا: الموصى إليه: أي النائب عن الوصي أو الوكيل على الوصية أو بمعنى آخر الناظر على الوصية وغيرها.
الشروط المعينة فيه:
1. التكليف أي البلوغ والعقل.
2. الرشد أي إحسان التصرف.
3. الإسلام.
4. العدالة أي المشهود له بالاستقامة على الدين والمروءة.
ومن تنبيهات هذا الركن:
يتم تحديد تصرف الموصى إليه وفق ما أوصى إليه فقط.
في الموصى إليه ضرورة، ومن صوره أن الميت لم يوصه بشيء لكن هو الذي تولى مال الميت بعد موته لأجل ضرورة.
لا يجزوز للموصى إليه عزل نفسه إذا كان في عزله ضرر على الوصية.
إلا أن أهل العلم حددوا عزل الموصى إليه لنفسه بشروط وهي:
+ إذا لم يوجد هناك حاكم.
+ أن يتعذر الحاكم للموصى به لعدم ثبوته عنده أو لغيره من الأسباب.
+ أن يعرف الموصى إليه ظلم الحاكم وعدم مبالاته بوصاياهم.
+ أن يخالف الموصى إليه أن يسند الحاكم الوصية إلى غير أهل. +
تعدد الأوصياء: حيث أن الإيصاء قد يكون لواحد أو لأكثر. والإيصاء لأكثر من واحد إما أن يكون بعقد واحد أو بعقود منفردة.
وهنا يمكن للموصي :
أ- أن يحدد لكل موصى إليه اختصاصه حيث يكون لكل موصى إليه الحق في تنفيذ الوصية في حدود اختصاصه (تحديد الاختصاص).
ب- أن يوصي إليهما في شيء واحد ويجعل لكل واحد منهما التصرف منفردا فيجوز لكل موصى له أن يعمل على تنفيذ الوصية منفردا بالتصرف وهذا يقتضي صحة تصرفه. أما إذا أوصى إلى الوصيين ليتصرفا مجتمعين فهذا يقتضي عدم التصرف الانفرادي فلو تصرف أحدهما بدون الآخر أو بدون توكيل منه كان له رد تصرفه (عدم تحديد الاختصاص: التصرف الانفرادي – عدم التصرف الانفرادي).
أما إذا تعدد الأوصياء وكان الإيصاء مطلقا عن التخصيص أو التقييد بالانفراد أو بالإجماع فهنا نميز بين مجموعة آراء فقهية:
بالنسبة لأبو حنيفة ومحمد فليس لأحد الأوصياء الانفراد بالتصرف إلا أنهما استثنيا بعض التصرفات حيث أجازا لكل واحد منهما الانفراد بها للضرورة على اعتبار أنها تصرفات لا تحتمل التأخير أو لازمة لحفظ المال أو لعدم اجتماع الرأي فيها.
بالنسبة للشافعية فلم يجعلوا لكل من الأوصياء الانفراد بالتصرف حيث أوجبوا اجتماعهم في هذا التصرف ولكن ثم استثناء الانفراد بالتصرفات التي تدخل ضمن الضروريات. وتحليلهم لهذا الرأي يدخل ضمن الوصايا تثبت بالتفويض من الموصي ويراعى الاجتماع والموصي ما رضي إلا برأيهم جميعا وهذا يدل دلالة ظاهرة على أن الغرض من ذلك هو اجتماع رأيهما واشتراكهما في التصرفات حتى تكون أصلح وأنفع.
الرأي الثالث وهو رأي المالكية والحنابلة، فلم يجيزا قط الانفراد بالتصرف وفي حالة عدم اجتماع الأوصياء كلهم فالأمر موكول للحاكم ليقيم أمينا مقام الغائب. وحجتهم في ذلك أن الأوصياء كالوكلاء ليس لأحدهم أن يتصرف بدون الآخر.
رأي أبو يوسف، أجاز للأوصياء الانفراد بالتصرف في جميع الأشياء وحجته في ذلك أن الوصية من قبيل الولاية وهي وصف شرعي لا يتجزأ فثبتت لكل من الأوصياء على وجه الكمال فكذلك الوصاية تثبت لكل واحد من الأوصياء على وجه الكمال.
وفي حالة موت أحد الوصيين (إن كانا إثنين أو أكثر):
+ عند الحنفية والشافعية والحنابلة للقاضي الحق في تعيين مكان الميت وليس لأحدهما التصرف منفردا.
+عند المالكية، كان للحاكم أن ينظر فيما فيه الأصلح إما الإبقاء للحي منهما وصيا وحده وإلا جعل غيره وصيا معه مكان الميت.
لمزيد من الفهم:
أركان الوصية:
1) موصي. 3) موصى به.
2) موصى له. 4) موصى إليه.
أولاً: الموصي: والمراد به صاحب الوصية.
الشروط المعتبرة في الموصي.
1) كونه أهلاً للتبرع أي كامل الأهلية.
وكمال الأهلية يكون بالعقل والبلوغ والحرية والاختيار وعدم الحجر لسفه أو غفلة ونحو ذلك مما هو معلوم في شروط الأهلية
2) كونه لم يعاين الموت فإن عاينه لم تصح لأنه لا قول له.
3) كونه غير مدين ديناً يستغرق كل ماله فإن كان كذلك فإن الوصية لا تصح لأن سداد الديون مقدم على تنفيذ الوصية.
4) كونه غير هازل ولا مكره ولا مخطئ.
5) كونه غير معتقل اللسان فإذا طرأ على اللسان مرض منعه من النطق فإن وصيته لا تصح إلا بأمور:-
الأول:- إذا استمر لسانه معتقلاً فترة طويلة بحيث يكون كالأخرس فهنا تصح وصيته بالإشارة والكتابة ونحو ذلك.
الثاني:-أن يكون مريضاً مرضاً مزمناً في لسانه آيسٌ من شفائه فإنها تصح أيضاً وصيته بالإشارة المعهودة التي يخاطب بها الناس.
أما إذا كان مرضه مرضاً عارضاً وليس له إشارة معهودة ولا يستطيع الكتابة فإنها لا تصح وصيته.
تنبيهات حول الموصي:-
الأول:-تصح الوصية من الأخرس بإشاراته أو بكتابته فإننا نجد بعضهم يستطيع الكتابة والقراءة.
الثاني:-السفيه وضعيف العقل والصغير المميز تصح منهم الوصية إذا كانت تشتمل على نفع لهم بلا ضرر.
الثاني: الموصى له: والمراد به من تعين له الوصية.
الشروط المعتبرة فيه:-
1) أن لا يكون وارثاً للموصي.
لقوله-صلى الله عليه وسلم-((لاوصية لوارث))
2) كون الموصى له معيناً فإن كان مجهول العين فلا تصح له الوصية ويكفي العلم بالوصف كقوله أوصي للمساكين والفقراء أو أوصي لفلان بن فلان.
3) كون الموصى له أهلاً للتملك , فإن كان ممن لا يصح تملكه فلا تصح الوصية له.كالجني والبهيمة والميت ونحوه...
4) كون الموصى له حياً غير ميت.
فإن كان حياً حياة تقديرية كالجنين في بطن أمه فهل تصح له الوصية.
الصحيح أنها تصح للحمل الذي تحقق وجوده قبل صدور الوصية أما إن كان غير موجود حينها كما لو قال أوصيت لحمل فلانة وهي لم تحمل بعد فلا تصح لأنها وصية لمعدوم.
فإن أوصى لحمل تحقق وجوده فنزل ميتاً بطلت الوصية.
لكن هناك سؤال قد يطرأ على البعض بماذا يتحقق وجود الحمل؟
الجواب: يتبين تحقق وجود الحمل إن ولد قبل تمام ستة أشهر من وقت الوصية لأن هذه الفترة أقل مدة تضع فيها المرأة حملها.
5) كون الموصى له غير قاتل للموصي:
فإذا أوصى شخص لآخر ثم قتله الموصى له بعد الوصية بطلت الوصية إن كان القتل عمداً قياساً على الميراث لقول قال الفقهاء((من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه؟)).
أما إن أجازها الورثة فهل تصح؟
الصحيح أنها لاتصح وعند الأحناف تصح.
أما إن كان قتل خطأ فإن أجازها الورثة جاز وإلا فلا.
6) قبول الموصى له الوصية:
فإن لم يقبل بطلت فلو قال الموصي أوصيت لفلان بن فلان بكذا وقلنا هذه وصية من فلان لك فقال لا أريدها فهنا تبطل الوصية ويردها إلى الورثة.
هل يشترط إسلام الموصي والموصى له :
لا يشترط إسلام الموصي والموصى له.
فتجوز الوصية من المسلم إلى الكافر بشرط كونه معيناً وأن لا يكون محارباً للمسلمين فإن كان مرتداً هل تصح له الوصية؟
قولان لأهل العلم:
والصحيح أنها لاتصح له لأن ملكه غير مستقر ولا يرث ولا يورث ولكون ملكه يزول عن ماله بسبب ردته فلا يثبت له الملك بالوصية.
أما الوصية من الكافر للمسلم فإن كانت الوصية تصح من المسلم إلى الكافر فمن باب أولى صحتها من الكافر للمسلم.
الثالث:-الموصى به.
تعريفه والمراد به:-ما تحمله الوصية من قول أو كتابة أو ما يقوم مقامها.
ويشترط في الموصى به أمور:
1) كونه بعد موت الموصي فإن كان قبله فهو هبة وليس وصية.
2) كونه قابلاً للتمليك.
فلو أوصى بشيء يزول ملك الموصى له عنه أو أوصى بشيء سوف يملكه فمات قبل ملكه له فلا تصح الوصية به.
لكن إن أوصى بما لا يقدر على تسليمه صحت الوصية به وللموصي السعي في تحصيله.
3) كون الموصى به مباحاً.
فإن كان الموصى به غير مباح الانتفاع به فإنه لا يجوز للموصى له تنفيذه كما لو أوصى فلان بالتبرع بالمجلات الخليعة المفسدة للدين والدنيا وكذا لو أوصى بالتبرع باستراحات لزيد من الناس مع العلم أنه يستخدمها في معاصي الله وغيرها مما لا يجوز فإنه يحرم تنفيذ هذه الوصية المشتملة على معصية الله ورسوله.
لكن هل يلزم إنفاذها في أمور الطاعة؟
قيل إن الأمر يرجع فيه إلى الورثة والصحيح أن الأمر يرجع إلى الحاكم وذلك لاختلاف الأنظار فيها.
الرابع: الموصى إليه ((النائب عن الوصي)).
تعريفه: هو المأمور بالتصرف في الوصية بعد الموت وهو ما يسمى بالوكيل على الوصية أو بمعنى آخر الناظر على الوصية وغيرها.
الشروط المعتبرة فيه: (الموصى إليه)
1) التكليف: أي كونه مكلفاً أي بالغاً عاقلاً.
2) الرشد: والمراد به إحسان التصرف أي كونه ممن يحسن التصرف فيما ينفعه وينفع غيره.
3) الإسلام: فلا يصح في الموصى إليه كونه غير مسلم.
4) العدالة: فإن كان مخروم العدالة فلا تصح نيابته عن الموصي.
والمراد بالعدالة هنا الاستقامة على الدين والمروءة.
والاستقامة على الدين تتم بفعل المأمورات وترك المحرمات
ففعل المأمورات المراد بها الواجبات الملزمة من الكتاب والسنة والمحرمات ما جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريمه فيدخل في ذلك الكبائر مطلقاً وكذا الإصرار على الصغائر كل ذلك قادح في العدالة أما فعل صغيرة واحدة فلا يقدح في العدالة.
أما المراد بالمروءة:
فهي فعل ما يجمل الإنسان ويزينه واجتناب ما يدنسه ويشينه.
تنبيهات على هذا الركن:
الأول: يتم تحديد التصرف من قبل الموصى إليه بما أوصي إليه فقط فإذا أوصى إليه أن ينظر في المال فليس له أن يزوج البنات مثلاً وكذا إذا أوصى إليه بأن ينظر في الوقف الفلاني فلا يحق له أن ينظر في غيره.
الثاني: في الموصى إليه ضرورة.
صورة هذا الأمر أن الميت لم يوصه بشيء لكن هو الذي تولى مال الميت بعد موته لأجل الضرورة.
مثاله: إنسان سافر ومعه صاحب في سفره فأتت إليه المنية ففارق الدنيا ولم يوص فهذا الصاحب يتولى مال صاحبه الميت وجوباً ولا يمكن أن يتركه وماله بل عليه أن يغسله ويكفنه منه.
الثالث: لا يجوز للموصى إليه عزل نفسه إذا كان في عزله ضرر على الوصية.
فقد حدد بعض أهل العلم عزل الموصى إليه نفسه بشروط منها:
1) إذا لم يوجد هناك حاكمٌ لأن العزل فيه تضييع للأمانة وإبطال لحق المسلم.
2) أن يتعذر تنفيذ الحاكم للموصى به لعدم ثبوته عنده أو لغيره من الأسباب.
3) أن يعرف الموصى إليه ظلم الحاكم وعدم مبالاته بأوقاف المسلمين ووصاياهم.
4) أن يخاف الموصى إليه أن يُسند الحاكم الوصية إلى غير أهل.
مبطلات الوصية
تبطل الوصية بعدم استيفائها الشروط المعتبرة في أركانها. ولكن أظهر ما يبطل الوصية فيما يلي:
1. زوال أهلية الموصي عند الحنفية أما الشافعية فلم يبطلوا الوصية بالجنون وذلك على اعتبار أن العقود والتصرفات تعتمد في صحتها على تحقق الأهلية وقت إنشائها فقط ولا يؤثر زوالها بعدئذ في صحة العقد أو التصرف.
2. تعليق الوصية على شرط لم يحصل.
3. الرجوع عن الوصية من قبل الوصي أثناء حياته، حيث أنه يمكن للموصي الرجوع عن وصيته ما دام على قيد الحياة ذلك أن الوصية لا تلزم إلا بعد وفاته وإما أن يكون اللفظ الصريح أو الضمني الذي يفيد الرجوع حقيقة وإما أن يكون بالفعل كتفويت موضوع الوصية عن طريق معاوضة أو تبرع لشخص آخر.
4. رد الوصية من قبل الموصى له يبطلها.
5. موت الموصى له قبل موت الموصي. ومن العلماء من قال إنها تكون لولد الموصى له إذا كان حيا ومنهم من قال لا تصح في هذه الحالة.
فلو قتل الموصى له الموصي فإن الوصية تبطل عند الحنفية سواء كان القتل عمدا أو غير عمد.
6. هلاك الموصى به المعين.
الأمور المعتبر في إثبات الوصية
أولا: الكتابة
الدليل حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما حق امرئ مسلم، له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" وبالتالي إذا كتب الموصي وصيته وتحقق من خطه فهذا يكفي في ثبوت الوصية دون أن إشهاد
والختم عليها يعتبر زيادة في التوثيق ولكنه ليس بلازم الوجود خاصة إذا كان الورثة يعلمون خط الموصي وكون الخاتم لا يلزم من ثبوته ثبوت الوصية لأمرين، أن الختم قد يزور عليه ثم يمكن فيه التغيير والتصوير.
أما الإمضاء فالإمضاءات تتشابه ويمكن تزويرها وبالتالي فالمعمول به في الوصية هو الخط.
ثانيا: الإشهاد
ويخص حالة كون الموصي أميا يجهل الكتابة فالمشروع في حقه الإشهاد على وصيته عند تعذر كتابتها من قبله أو من قبل غيره. وقد اشترط المالكية وبعض الشافعية إشهاده على وصيته المكتوبة بعد قراءتها على الشهود. وإطلاعهم عليها وعليه فلو لم يشهد على ما كتب أو أشهد ولكن لم يطلع الشهود عليه لم تنعقد الوصية أبدا.
إلا أن الإشهاد العاري عن الكتابة فهو كاف في ثبوت الوصية ودليله قوله تعالى: [ يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ].
فالآية دلت على مشروعية الإشهاد على الوصية، ولكن لابد من استيفاء الشروط التي جاءت الشريعة بها في الوصية المشهود عليها. ومن هذه الشروط :
1. كون الشاهدين مسلمين وإلا تكفي شهادة غيرهما من أهل الكتاب.
2. كون الشاهدين ذكرين أما شهادة المرأة فمقبولة في الوصية له وغير مقبولة في الوصية إليه.
3. كون الشاهدين عدلين.