بسم
الله الرحمن الرحيم
تلخيص
خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي
التشريع في الاصطلاح
الشرعي والقانوني هو: سن القوانين التي تعرف منها الأحكام لأعمال المكلفين، وما
يحدث لهم من الأقضية والحوادث.
وينقسم
التشريع الإسلامي إلى قسمين:
تشريع
إلهي: وهو ما كان صادرا عن الله تعالى بواسطة كتبه أو رسله.
تشريع
وضعي: وهو ما كان صادرا عن الناس سواء جماعات أو أفرادا.
العهود التشريعية الإسلامية
يمكن
تقسيم العهود التشريعة الإسلامية إلى أربعة أقسام:
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: وهو عهد الإنشاء
والتكوين، ومدته 22 سنة.
عهد الصحابة: وهو عهد التفسير والتكميل، ومدته 90 سنة
عهد التدوين والأئمة المجتهدين، ومدته 250 سنة.
عهد التقليد والجمود والوقوف، وبدايته من أواسط
القرن الرابع إلى نهاية لا يعلمها إلا الله.
---------------
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
ومدة
هذا العهد 22 سنة وبضعة أشهر، ورغم قصر مدته إلا أنه خلف نصوصا كثيرة من القرآن
والسنة.
ويمكن
تقسيم هذا العهد إلى فترتين:
الفترة الأولى: مكية: وهي المدة التي
قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، ومدتها 12 سنة وبضعة أشهر.
وقد
تميزت هذه الفترة بالاقتصار على الدعوة إلى التوحيد وصرف الناس من عبادة الأوثان
والأصنام إلى عبادة الله تعالى، إضافة للحث على الأخلاق والاعتبار بقصص الأمم
الغابرة.
لذلك
فإن هذه الفترة لم يكن فيها سن للقوانين المدنية أو التجارية أو غيرها لأن الدولة
لم تكن قائمة بعد.
ومن
نظر إلى السور المكية كسورة يونس والرعد والفرقان والحديد وغيرها يتبين له ذلك
بجلاء.
الفترة الثانية: مدنية: وهي المدة التي
قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهي 10 سنوات، وقد تميزت هذه الفترة
بقيام دولة إسلامية، مما جعلها بحاجة إلى قوانين لتنظيم شؤونها، وتنظيم علاقاتها
بين أفرادها أو مع غيرهم من الكفار والمحاربين وغيرهم.
ولذلك
برزت في هذه المدة مجموعة من الأحكام كأحكام الزواج والطلاق والإرث والبيوع
وغيرها، دون إغفال عن أحكام تنظيم العلاقات مع الغير في حالتي السلم والحرب.
ومن
تمعن في السور المدنية وجدها كذلك، كسورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة
والنور وغيرها من السور المدنية.
وهذا
كله دون الإغفال عن الركن الأساسي والمتمثل في ترسيخ العقيدة والأخرق والاعتبار
بمن مضى من الأمم والشعوب.
من تولى السلطة التشريعية في هذا العهد ؟؟
تفرد
الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة بالسلطة التشريعية، فهو القاضي والمفتي
والفاصل بين الخصومات التي يمكن أن تنشأ بين الناس، حيث إن الرسول عليه الصلاة
والسلام كان يجيب عن أسئلتهم بآية أو آيات بوحي إليه بها ربه تبارك وتعالى، أو
باجتهاده الذي يعتمد فيه على الإلهام الإلهي أو على ما يهديه إليه عقله وبحثه
وتقديره.
وهذا
لا ينفي وجود بعض الاجتهادات الجزئية من الصحابة رضي الله عنهم كعلي بن أبي طالب
ومعاذ بن جبل وحذيفة وعمرو بن العاص وغيرهم، لكن هذه وأمثالها لا تدل على أن أحدا
له سلطة التشريع في هذا العهد لكون هذه الاجتهادات إنما نشأت لبعد المسافة عن
الرسول أو خوف فوات الفرصة.
كما
أن قضاء أو تشريعا لصحابي معين لم يكن تشريعا للمسلمين وقانونا ملزما إلا إذا أقره
الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.
مصادر التشريع في هذا العهد
عرف
هذا العهد مصدران للتشريع: الوحي الإلهي، واجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم
نفسه.
فإما
أن يوحي الله لرسوله بآية أو آيات فيها الحكم المراد معرفته، ويكون الرسول في هذه
الحالة مبلغا عن الله.
وإذا
لم يوح إليه اجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم في تعرف الحكم بما أدى إليه اجتهاده
وقضى به أو أفتى أو أجاب عن السؤال والاستفتاء.
ومن
تتبع آيات الأحكام التي وردت في القرآن وما رواه المفسرون من سبب نزول كل آية منها
تبين أن كل حكم قرآني إنما شرع لحادث اقتضى تشريعه، كما في قوله تعالى: يسألونك عن
الشهر الحرام قتال فيه؟ قل قتال فيه كبير.
وعليه،
فكل ما شرع من الأحكام في عهد الرسول كان مصدره الوحي الإلهي أو الاجتهاد النبوي،
وكان صدروه بناء على طروء حاجة تشريعية اقتضته.
وكانت
وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم هي التبليغ. قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك.
أما
ما كان مصدره النبي صلى الله عليه وسلم وهو الاجتهاد النبوي، فتارة يكون تعبيرا عن
إلهام إلهي، أي ان الرسول إذا أخذ في الاجتهاد ألهمه الله حكم ما أراد معرفته،
وتارة استنباطا واستمدادا للحكم بما تهدي إليه المصلحة وروح التشريع.
أما
الأحكام الاجتهادية التي لم يلهم الله بها رسوله بل صدرت عن بحثه ونظره هي أحكام
نبوية بمعانيها وعباراتها، وهذه لا يقره الله عليها إلا إذا كانت صوابا، أما إذا
لم يوفق الرسول فيها إلى الصواب فإن الله يرده إلى الصواب فيها، مثل حادث افتداء
أسرى بدر، أو إذنه لمن تخلف عن غزوة تبوك ...
فنستنتج
أن التشريع في عهد الرسول كان إلهيا كله، لأن مصدره القرآن أو الرسول صلى الله
عليه وسلم.
الخطة التشريعية في هذا العهد
الطريق
التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم في الرجوع إلى مصادر التشريع فهي أنه كان
إذا طرأت حاجة إلى تشريع ينتظر وحي الله تعالى إليه بآية أو آيات، وإن لم يوح إليه
علم أن الله وكل إليه التشريع في هذه الواقعة إلى اجتهاده، فاجتهد مهتديا في
اجتهاده بالقانون الإلهي وروح التشريع وتقديره المصلحة ومشورة أصحابه.
أما
المبادئ العامة التي يبنى عليها التشريع فأربعة:
التدرج في التشريع: والحكمة منه أنه العلاج لإصلاح النفوس
الجامحة، والوسيلة لتقبل التكاليف وامتثالها من غير ضجر ولا عنت، وهو حكمة
التشريع.
التقليل من التقنين: وهذا يتجلى في أن الأحكام شرعها الله
ورسوله لم تشرع إلا على قدر حاجة الناس إليها، ولذلك ورد الني عن كثرة الأسئلة،
قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، وقال صلى
الله عليه وسلم: أعظم المسلمين حرما منت سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته.
التيسير والتخفيف: وهذا أعلى ظاهرة في التشريع، قال تعالى:
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وقال: الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم
ضعفا ...
مسايرة التشريع مصالح الناس: وذلك أن الشارع
علل كثيرا من أحكامه بمصالح الناس، ودل بشواهد عدة على أن المقصود تحقيق مصالح
الناس.
ما خلفه هذا العهد من آثار تشريعية
المصدر
الأول: هو الوحي الذي صدرت عنه آيات الأحكام، وكذا اجتهادات الرسول صلى الله عليه
وسلم الذي صدرت عنه كذلك أحاديث الأحكام، وهما القانون الأساسي للمسلمين، ومرجع كل
مجتهد في أي عصر من العصور.