تعريف القواعد الفقهية في اللغة والاصطلاح
القواعد في اللغة: * قاعدة الشيء أصله أو أساسه ماديا كقواعد البيت والبناء أو معنويا كقواعد الإسلام وقواعد اللغة والخطاب والمعاملة.* القواعد هي أسس الشيء وأصوله حسيا كان ذلك الشيء أو معنويا. ومنه قوله تعالى: [وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل].
القواعد في الاصطلاح:
* تعريف مصطفى الزرقاء: القواعد الفقهية هي أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاما تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعاتها.* تعريف تاج الدين ابن السبكي: القواعد الفقهية هي أمر كلي ينطبق على جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه.وبالتالي فالقاعدة الفقهية تتضمن حكما شرعيا كليا تندرج تحته جزئيات متعددة يتحقق فيها مناط هذه القاعدة غالبا.مثال: "الضرورات تبيح المحظورات" هذه القاعدة تندرج تحتها كثير من الفروع الفقهية منها أكل الميتة للمضطر عند غلبة الجوع المؤدي إلى الموت وكالتلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه.
فالفقهاء راعوا صفة الأغلبية في القواعد ولم يحكموا عليها بالكلية المطلقة كما هو شأن بقية القواعد وذلك بناء على وجود بعض المستثنيات التي خرجت عن عمومها لوجود مقتض أو معارض ما دخلت ضمنه وبالتالي هناك فروع لقواعد فقهية لم تأخذ حكم هذه القواعد الفقهية لوجود معارض اندرجت ضمنه مكنها من الاستثناء من عموم تلك القواعد.فصفة الأغلبية التي تتميز بها القواعد الفقهية لا ينقُّص كليتها استثناء بعض الفروع أو الجزئيات من عمومها وحكمها لعدة أسباب منها:1. أن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن المقتضى الكلي لا يخرج ذلك الأمر عن كونه كليا (الشاطبي).2. أن حكمة الشارع جرت على ضبط الناس وفق قواعد عامة جارية مجرى العموم العادي لا العموم الكلي الذي لا يتخلف عند جزئي أبدا وما من قاعدة إلا ولها استثناء.3. أن كل فرع أو جزء خرج من عموم قاعدة إلا ودخل واندرج ضمن قاعدة أخرى.
إضافات للفهم:
اختلفت عبارات العلماء في تحديد وتعريف القاعدة الفقهية فمنهم من اكتفى بالتعريف الاصطلاحي للقاعدة ومن هذه التعاريف:
- عرفها أبو البقاء الكفوي بأنها قضية كلية من اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها.
- عرفها تاج الدين السبكي بأنها الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها.
فالفقهاء راعوا صفة الأغلبية في القواعد ولم يحكموا عليها بالكلية المطلقة، وصفة الأغلبية التي تتميز بها القواعد الفقهية لوجود المستثنيات لا يقدح في كلية هذه القواعد ولا ينقصها.
وهو ما نص عليه بعض العلماء:
ü بالنسبة للشاطبي، الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا.
وأيضا فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة الإسلامية اعتبار العام القطعي ذلك أن الكليات الاستقرائية صحيحة وغن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات.
ü إن حكمة الشارع جرت على ضبط الناس وفق قواعد عامة جارية مجرى العموم العادي لا العموم الكلي الذي لا يتخلف عند جزئ\ي فما من قاعدة إلا ولها استثناء.
ü إن كل فرع خرج عن عموم قاعدة دخل واندرج ضمن قاعدة أخرى. فهو متضمن في عموم القاعدة ظاهرا ولكنه في حقيقة الأمر مندرج تحت قاعدة أخرى
|
التمييز بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية
بالرغم من أن العلاقة بين علم الأصول وعلم الفقه كعلاقة الأصل بالفرع (الثمرة)، إلا أن لكلا من علم أصول الفقه وعلم الفقه مميزات وخصائص تجعل معه اختلاف قواعدهما. والتمييز بين قواعد الأصول وقواعد الفقه يتحدد فيما يلي: 1. موضوع القواعد الأصولية هو البحث عن الأدلة الإجمالية من كتاب وستة وإجماع وغيرها... أما موضوع القواعد الفقهية فهو أفعال المكلفين وما تستحقه من حكم شرعي عملي.2. القواعد الأصولية تتعلق (في الغالب) بالألفاظ وكيفية دلالتها على الأحكام بينما القواعد الفقهية فتتعلق بالأحكام ذاتها.3. القواعد الأصولية تعتبر وسائل لاستنباط الأحكام من الأدلة الإجمالية. أما القواعد الفقهية فتعتبر جمعا وربطا لمسائل متناثرة ومختلفة برباط متحد ومحكم واحد وهو الحكم الذي سيقت لأجله القاعدة.4. القواعد الأصولية تبنى عليها الأحكام الإجمالية وبها يستنبط الفقيه الأحكام الجزئية من الأدلة التفصيلية أي القواعد الفقهية فتعلل بها أحكام الحوادث كقولنا تجب النية في الوضوء لأن الأعمال بالنيات والوضوء عبادة أي عمل.5. القواعد الأصولية كلية مطردة لا يستثنى منها فرع أو جزء إذا اتفق على مضمونها. القواعد الفقهية فهي أغلبية أكثرية.6. القواعد الفقهية متأخرة في وجودها الذهني والواقعي عن فروعها الفقهية لأنها جمع لشتاتها وربط لمختلف جزئياتها. القواعد الأصولية تسبق في وجودها الذهني فروعها لأنها تمثل الأصل بالنسبة للرفع وهي القيود التي يلتزم بها المجتهد ليصل إلى الجزئياتـ ذلك أن الفروع تعد دالة كاشفة فقط كدلالة الثمار على الشجرة. التمييز بين القواعد الفقهية والضابط الفقهي
الضابط الفقهي عند كثير من المصنفين في هذا الفن أضيق مجالا من القاعدة الفقهية وذلك لقصوره على موضوع معين أو باب واحد من أبواب الفقه لا يتعداه وقد تكون المسائل التي يتناولها أو الفروع التي يتضمنها لا تتعدى مسائل محددة في حين أن القاعدة الفقهية تتناول مسائل شتى من أبواب فقهية عديدة.وقد أوضح ابن نجيم الفرق بين الضابط الفقهي والقاعدة الفقهية، باعتبار القاعدة الفقهية تجمع فروعا من أبواب شتى أما الضابط الفقهي فيجمعها من باب واحد، وهذا التمييز لجأ إليه الكثير من المصنفين وهو أمر اصطلاحي حسن لكونه يراعي الفرق الواضح بين الأمرين ولأنه أدعى إلى الدقة والأغلب على الضوابط اختصاصها بمذهب معين.فهذه الضوابط تتعلق بمسائل محددة أو موضوع معين كعقد البيت أو المهر أو غيرهما.إلا أن بعض المصنفين في علم القواعد لم يراع الفرق بين القاعدة والضابط الفقهي على اعتبار أن كثير من القواعد الفقهية ضمت جملة من الضوابط الفقهية كقواعد ابن رجب وإيضاح المسالك للونشريسي.
التمييز بين القواعد الفقهية والأشباه والنظائر
سميت كثير من كتب القواعد باسم الأشباه والنظائر ومن هنا وجب معرفة حقيقتها ودواعي النزوع إليها والعلاقة التي تربطها بالقواعد والفروق.التعريف الأشباه والنظائر: في اللغة: * كلمة 'شبه' تعني المثل وزنا ومعنى وجمعها أشباه. * كلمة 'النظير' معناها المثل المساوي وجمعها نظراء.في الاصطلاح: الشبه هو الصفة الجامعة الصحيحة التي إذا اشترك فيها الأصل والفرع وجب اشتراكهما في الحكم. تعريف بعض الفقهاء:* عند تاج الدين ابن السبكي، قياس الأشباه هو أن يجتذب الفرع أصلان يتنازعه مأخذان، فينظر إلى أولهما وأكثرهما شبها فيلحق به. مثال: تكرار مسح الرأس من عدمه في الوضوء. مسح الرأس دائر بين أصلين: الأول، أنه مسح لا يتكرر كغيره من المسح مسح الوجه واليدين في التيمم والمسح على الشوارب في الوضوء. الثاني، كونه أي المسح أحد أركان الوضوء الأربعة المذكورة في القرآن فيكرر كما تكرر.وبالتالي من قال بعدم التكرار ألحقه بالأصل الأول ومن قال بالتكرار ألحقه بالأصل الثاني. * عند الحموي، حقيقة الأشباه والنظائر المراد بها المسائل التي يشتبه بعضها البعض مع اختلاف في الحكم لأمور خفية أدركها العلماء بدقة أنظارهم.* عند السيوطي، المثيل أخص الثلاثة والشبيه أعم من المثيل وأخص من النظير والنظير أعم من الشبيه.وبيان ذلك أن المماثلة تستلزم المشابهة وزيادة والمشابهة لا تستلزم المماثلة فلا يلزم أن يكون شبهه مماثلا له والنظير قد لا يكون مشابها. وخلاصة القول: أن المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه والمشابهة تقتضي الاشتراك في أكثر الوجوه لا كلها ولو وجها واحدا حيث يقال هذا نظير هذا في كذا وإن خالفه في سائر جهاته.ومعنى الأشباه والنظائر تلك الفروع الفقهية المتشابهة التي تأخذ حكما واحدا والفروع الفقهية المتشابهة ظاهرا أو صورة والمختلفة في الحكم.والأشباه هي الفروع المتشابهة ظاهرا والمختلفة باطنا لعلة معينة. وأصل هذه الكلمة يرجع إلى كتاب أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري والذي جاء فيه (الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك من الكتاب والسنة اعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى)، أما كلمة النظائر فلم يرد فيها أثر لكن الفقهاء أضافوها إلى كلمة أشباه مقابلة لها.وبناء على ما سبق يكون معنى الأشباه والنظائر هو الفروع الفقهية المتشابهة ظاهرا أو صورة والمختلفة في الحكم أي الفروع الفقهية المتشابهة صورة وحكما أو صورة لا حكما. إضافات للفهم: فيما يخص التفريق بينها يأتي كما يلي:
القواعد الفقهية تمثل الرابط والجامع بين الأمور المتشابهة أو الصفة المشتركة بين الفروع التي تنطبق عليها القاعدة،
فالقواعد تمثل المفاهيم والأحكام العامة أما الأشباه والنظائر فتمثل الوقائع الجزئية التي تتحقق بها تلك المفاهيم أو تنتفي عنها. وقد مثلوا لذلك بالعبد المقتول خطأ، إذا زادت قيمته على دية الحر فإنه قد اجتمعت فيه مناطان متعارضان: أحدهما النفسية وهو مشابه للحر فيها ومقتضى ذلك أن لا يزيد على دية الحر.. الثاني المالية وهو مشابه للفرس فيها ومقتضى ذلك الزيادة.
إلا أن مشابهته للحر في كونه آدميا مثابا معاقبا ومشابهته للفرس في كونه مملوكا مقوما في الأسواق فكان إلحاقه بالحر أولى لكثرة مشابهته.
|
التمييز بين الأشباه والقواعد والفروق
من العلماء من جعل فن الفروق والأشباه والنظائر شيئا واحدا، وفرق بعض المتأخرين بينها فجعل فن الفروق أخص من الأشباه والنظائر لأن حقيقة فن الفروق هي إظهار المسائل الفقهية أو غيرها بوضوح والكشف عن الاختلاف في الحكم والمناط في المسائل المتشابهة أو المتقاربة من حيث الصورة.أما عند قول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب في رسالته إلى أبي موسى الأشعري حول القضاء (فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق) فيرى السيوطي أن فيها إشارة إلى أن النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به وهو الفن المسمى بالفروق، والذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويرا ومعنى المختلفة حكما وعلة.وأبرز من ألف في فن الفروق وبرز فيه الإمام شهاب الدين القرافي المالكي. التمييز بين القواعد الفقهية والنظريات الفقهية
تعريف النظرية الفقهية: هي المفهوم العام الذي يؤلف نظاما حقوقيا موضوعا تنطوي تحته جزئيات موزعة في أباب الفقه المختلفة كنظرية الحق ونظرية الضمان وغيرها.فالنظرية الفقهية إذا عبارة عن موضوعات فقهية تشمل مسائل فقهية ذات الصلة تجمع وحدة موضوعية تحكم عناصرها كنظرية العقد مثلا فإنها تتضمن أركانه وشروطه وأهلية التعاقد وأنواع العقود ونفاذ العقد.ومن هنا يتضح الفرق بين القاعدة والنظرية ويتلخص في أمرين:الأول: أن القاعدة الفقهية تتضمن حكما فقهيا في ذاتها وهذا الحكم ينتقل إلى الفروع المندرجة تحتها مثلا قاعدة "اليقين لا يزول بالشك" تضمنت حكما فقهيا في كل مسألة اجتمع فيها اليقين والشك.أما النظرية الفقهية فلا تتضمن حكما فقهيا في ذاتها وإنما تصاغ باسم موضوعها فقط كنظرية العقد والفسخ والبطلان.الثاني: القاعدة الفقهية لا تشمل على أركان وشروط أما النظرية فلابد لها من أركان وشروط.
خصائص القواعد الفقهية
1. كثرتها وتناثرها في كل الأبواب الفقهية.2. الإيجاز في الصياغة اللفظية فهي من جوامع الكلام إذ تضم معاني وفروعا كثيرة في كلمات محددة.3. الدقة والضبط فهي نتاج عبقرية فقهاء المسلمين التي تدل على شدة ذكائهم وفهمهم ذلك أن الفقيه يبين شتات المتشابهات ويفرق بين المختلفات والمجتمعات بملكة فقهية وفكر ناضج. فوائد القواعد الفقهية
1. ضبط الفقه بأحكامه والاستغناء عن حفظ الجزئيات التي لا تكاد تنتهي.2. الأمن من الوقوع في التناقض الحاصل بالاعتماد على تخريج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية.3. تكوين الملكة الفقهية وتنميتها لدى الدارس لها وتساعده على ولوج مختلف أبواب الفقه الواسع ومعرفة نظائرها وحكمها من المسائل المعروضة والقضايا الطارئة من أقرب سبيل.4. إبراز خصائص الفقه الإسلامي عبر قواعده العامة وجزئياتها كخاصية الشمول وخاصة اليسر ورفع الحرج. حكم الاستدلال بالقواعد الفقهية على الأحكام
ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يمكن ولا يصح الاعتماد على القاعدة الفقهية دليلا وحيدا في المسألة لما يلي:ç أنه لا يعقل جعل ما هو رابط وجامع لمجموعة من الفروع دليلا من أدلة الشرع على فرع جديد لم يثبت اندراجه ضمنه.ç أن معظم القواعد الفقهية أغلبية فيها بعض المستثنيات وقد تكون المسألة المطروحة منها وقد أقر ابن نجيم الحنفي أنه لا يجوز الفتوى بما تقتضيه القواعد والضوابط لأنها ليست كلية بل أغلبية.
إضافات للفهم:
كثير من القواعد الفقهية يصلح للاستدلال به على أحكام شرعية مستجدة أو الاستئناس به في مسألة من المسائل على اعتبار أن بعض هذه القواعد لها صفة أخرى وهي كونها معبرة عن دليل أصولي أو كونها نصا تشريعيا تابتا مستقلا أي أن أصل بعض هذه القواعد نص صريح من القرآن أو السنة مما يجعل الاستدلال بها استدلالا بالكتاب والسنة بطريق غير مباشر.
ومثاله قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وقاعدة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).
ولأن بعض القواعد مستنبطة من مجموع نصوص شرعية وأدلة نقلية وعقلية فيكون حال المستدل بها في مسألة من المسائل حال من يحيل السائل على أدلة القاعدة الفقهية نفسها فهو من باب الاستدلال غير المباشر بالأدلة الشرعية.
أما من منع من الاستدلال بالقواعد الفقهية ما لم تعضد بدليل آخر يسندها فيحمل كلامه على معنى خاص هو أن القاعدة الفقهية لا تصلح دليلا على الحوادث التي يوجد فيها نص فقهي يمكن الاستناد إليه ولا يتعارض هذا المعنى مع إمكانية صلاحية بعض القواعد الفقهية للاستدلال الشرعي بها على حكم من الأحكام وهو ما أشار إليه الندوي أن عدم جواز استناد القاضي أو المفتي إلى إحدى القواعد الفقهية وحدها إنما محله فيما يوجد فيه نص فقهي يمكن الاستناد إليه أما إذا كانت المسألة لا يوجد فيها نص فقهي أصلا لعدم تعرض الفقهاء لها ووجدت القاعدة التي تشملها فيمكن عندئذ إسناد الفتوى والقضاء إليها.
وكون القاعدة الفقهية أغلبية ترد عليها بعض المستثنيات لا يعني عدم جواز الاستدلال بها لأن الاستثناء من القاعدة لا يضعف حجيتها وقوتها. |
وبالتالي فالقواعد الفقهية يمكن الاستئناس بها عند تخريج أحكام القضايا الجديدة على المسائل الفقهية المدونة ولا تصلح أن تكون دليلا مستقلا باستثناء القواعد المعبرة عن دليل أصولي أو دليل نبوي (حديث) تابتا كقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وقاعدة "البينة على المدعي واليمين على المنكر" وجل القواعد الموسومة بأنها تشريعية.إضافة إلى القواعد الأساسية المبنية على مجموعة متضافرة من أدلة صريحة وصحيحة من الكتاب والسنة فأصبحت هذه القواعد بمثابة الأدلة أو أشبه بها ولا تقل أهميتها وقوتها عن كثير من الأدلة التبعية والتي اعتبرها كثير من العلماء كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع وغيرها من الأدلة التي يلجأ إليها المجتهد والمفتي والقاضي بعد النظر في الأدلة النقلية.وأغلب القواعد الفقهية مختلف فيها عند العلماء وما كان حجة عند البعض لم يكن كذلك عند البعض الآخر.فالقواعد الفقهية الكلية يمكن أن تتخذ دليلا في كثير من حالات الاستنباط الفقهي والاجتهاد الذي يراعي ترتيب الأدلة من حيث القوة والقبول والذي يؤكد هذا المسلك ما تبث عن كثير من الفقهاء الأخذ به أو جعله سببا من أسباب الترجيح كما تذل بعض النصوص عنهم كالإمام النووي في مسألة الوضوء بعد أكل لحوم الإبل حيث استدل بقاعدة (الأصل بقاء ما كان على ما كان) عند ترجيحه القول بعدم الوضوء منها.كما عدم جواز الاعتماد على القاعدة الفقهية وحدها في الفتوى أو القضاء إنما محله إذا وجد في المسألة نص فقهي يعتمد عليه.أما إذا لم يكن في الحادث (المسألة) نص فقهي يعتمد عليه أصلا فإنه يمكن الاستناد إلى القاعدة الفقهية. أنواع القواعد الفقهية ومراتبها
ليست القواعد الفقهية على درجة واحدة وإنما هي أنواع ومراتب ومرجع هذا التنوع يعود إلى سببين:
السبب الأول يعود إلى النظر إلى القاعدة باعتبار اتساع مجالات تطبيقها وشمولها أو ضيقها وانحصار مجالات فروعها وجزئياتها. أما السبب الثاني فيعود إلى النظر إلى القاعدة من حيث الاتفاق على مضمونها أو الاختلاف فيه.
مراتب القواعد الفقهية
من حيث الشمول و السعة وهي ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: القواعد الكلية الكبرى ذات الشمول العام والسعة للفروع الكثيرة والجزئيات المتنوعة والمسائل المندرجة تحتها، والتي تستوعب جل أبواب الفقه.
المرتبة الثانية: قواعد كلية أضيق مجالا من المرتبة الأولى ويندرج ضمنها فروع كثيرة من مختلف المسائل الفقهية في شتى الأبواب. وهي قسمان:
· قسم يندرج تحت القواعد الكلية الكبرى مثل قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وهي المتفرعة عن قاعدة (المشقة تجلب التيسير) وكذلك قاعدة (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) متفرعة عن قاعدة (العادة محكمة).
· قسم لا يندرج تحت أي من القواعد الست السابقة كقاعدة (الاجتهاد لا ينقص بالمثل) وقاعدة (التصرف على الرعية منوطة بالمصلحة).
المرتبة الثالثة: القواعد ذات المجال الضيق التي لا عموم فيها بل تختص بباب معين أو مسائل معينة من باب واحد وهذه التي اصطلح عليها اسم الضوابط.
من حيث الاتفاق أو الاختلاف في مضمونها وهي نوعان:
النوع الأول: قواعد متفق عليها أو على مضمونها عند جميع الفقهاء ومختلف المذاهب ويندرج في هذا الصدد كل القواعد الكلية البرى.
النوع الثاني: قواعد مذهبية تختص بمذهب دون آخر أو قال بها البعض وخالفهم البعض الآخر.
إضافات للفهم:
يمكن تقسيم القواعد الفقهية باعتبارين : - من حيث الشمول والسعة - من حيث الاتفاق أو الاختلاف في مضمونها.
أولا : من حيث مدى اتساعها وشمولها للفروع والجزئيات الفقهية وهي على ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: القواعد الكلية الكبرى ذات الشمول العام والسعة للفروع الكثيرة والجزئيات المتنوعة والمسائل المندرجة تحتها والتي تستوعب جل أبواب الفقه. وهي القواعد الكبرى:
ü - الأمور بمقاصدها.
ü المشقة تجلب التيسير.
ü اليقين لا يزول بالشك.
ü العادة محكمة
المرتبة الثانية: قواعد كلية لكنها أضيق مجالا من سابقتها ويندرج ضمنها فروع كثيرة من مختلف المسائل الفقهية في شتى الأبواب، وهي قسمان:
· قسم يندرج تحت القواعد الكلية الكبرى مثل قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وهي المتفرعة عن قاعدة (المشقة تجلب التيسير) وكذلك قاعدة (المعروف عرفا كالمشروط شرطا) متفرعة عن قاعدة (العادة محكمة).
قسم لا يندرج تحت أي من القواعد الست السابقة كقاعدة (الاجتهاد لا ينقص بالمثل) وقاعدة (التصرف على الرعية منوطة بالمصلحة).
المرتبة الثالثة: القواعد ذات المجال الضيق التي لا عموم فيها بل تختص بباب معين من الفقه ويطلق عليها الضابط ومنها:
ü كل ميتة نجسة إلا السمك والجراد.
ü كل مكروه في الصلاة يسقط فضيلتها.
ثانيا : من حيث الاتفاق أو الاختلاف في مضمونها وهي قسمان:
الأول: القواعد المتفق عليها أي قواعد متفق عليها أو على مضمونها من جميع الفقهاء ومختلف المذاهب وهي القواعد الخمس الكبرى.
الثاني: قواعد مذهبية تختص بمذهب دون آخر أو قال بها البعض وخالفهم البعض الآخر. |
القاعدة الكبرى الأولى: الأمور بمقاصدها
فوائد النية:
ü تمييز العبادات عن العادات حيث أن أعمال المكلفين تتردد بين العبادة المحضة وبين العادة ولا يتم التمييز بينها إلا بنية المكلف ومقصده ومن ذلك الغسل فهو عمل متردد بين العبادة وبين العادة فقد ينوي المكلف فقط تنظيف بدنه وقد ينوي رفع الحدث الأكبر عنه.
ü تمييز العبادات بعضها عن بعض، حيث أن العبادات رتبا متفاوتة منها الواجب والمندوب والمباح ولا نميز بينها إلا بالنية فالمكلف يصلي وقد ينوي بصلاته الفرض أو النفل.
ü تمييز العادات عن المباحات، فالنية هي التي تغير العادة فتجعلها قربة يتاب عليها المؤمن كالأكل والشرب والبيع قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صدقة" وبها يعاقب المؤمن على شيء مباح كالكسب فهو مباح وقد يصير حراما إذا صحبته نية سيئة.
شروط النية:
ü الإسلام، أي أن يكون الناوي مسلما وهو شرط في كل العبادات دون غيرها. وتطرح مسألة الكتابية المتزوجة من المسلم فعند المالكية والشافعية نية الإسلام ضرورية مع الغسل ليحل وطؤها وعند الحنفية ليس شرط.
ü التمييز، أي أن يكون الناوي مميزا لأن النية لا بد فيها من القصد وهو غير موجود عن الطفل والمجنون حالة الجنون والسكران حالة السكر.
ü العلم بالمنوي، حيث لا تصح النية من المكلف مع جهله بحقيقة ما نواه أو بحكمه فمن لم يعلم بفرضية العبادة لم يصح منه فعلها ولا يصح الإبهام إلا في الحج فمن قال لامرأته أنت طالق بلغة لا يفهمها فلا يقع الطلاق.
ü عدم المنافي بين النية والمنوي، والمراد به أن لا يأتي المكلف بعمل مناف لما نواه ومن ذلك الردة بعد نية العبادة فإنها تبطلها فلو ارتد أثناء الصلاة أو الصوم أو الحج بطل عمله. ومن المنافي نذكر: § نية القطع، فمن نوى قطع الإيمان صار مرتدا أو نوى قطع الصلاة أثناء أدائها بطلت صلاته. وهناك أعمال كثيرة لا يؤثر في صحتها نية القطع ما لم يأت بعمل يبطل ما شرع فيه كالحج.§ نية القلب أو النقل، فمن نوى قلب فرض إلى فرض لم يصح واحد منهما ولكن من نوى نقل الفرض إلى النفل فصحيح.§ نية رفض العمل أي نية إبطاله إن وقع أثناء العبادة بفعل مبطل كالكلام أثناء الصلاة. § التردد في النية وعدم الجزم فيها، ومثاله من كان عليه صلاة فائتة وشك في قضائها فقضاها ثم تيقن بعد ذلك بعدم قضائها فعليه إعادتها لأن نية القضاء الأول متردد فيها. تعقيب النية بالمشيئة:أي أن ينوي المكلف عملا ثم يقول إن شاء الله. فهل يؤثر هذا الاستثناء في النية. وهنا نميز بين مجموعة من الأقوال. ü القول الأول إن الاستثناء بالمشيئة يؤثر في التصرفات التي يشترط فيها التلفظ كالطلاق واليمين والنكاح والبيع (أما في العبادات التي يكفي فيها النية القلبية فلا يؤثر فيها الاستثناء وتعتبر صحيحة) مثال لو قال عقب النطق بها إن شاء الله لم يقع شيء من ذلك. لأنه علقه على مشيئة لم يعرف وجوهها، ولقوله صلى الله عليه وسلم في شأن الاستثناء في اليمين "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى فلا حنث عليه" ü القول الثاني الاستثناء في اليمين خاصة أي يؤثر في اليمين فقط ولا يؤثر في الطلاق وغيره من التصرفات فمن قال لزوجته أنت طالق إن شاء الله طلقت وهو قول المالكية، مستدلين على ذلك : – أن حديث الاستثناء ورد في اليمين خاصة فيقتصر عليه. – أن الاستثناء في الطلاق يؤدي إلى رفعه جمله فلا يصح. – أنه تعليق على ما لا سبيل لعلمه.
ü القول الثالث إن نوى بالاستثناء بالمشيئة التعليق بطلت النية ويترتب على ذلك بطلان العمل وذلك للتردد وعدم الجزم. أما إن نوى بالاستثناء بالمشيئة التبرك فلا تبطل النية ولا العمل. وهذا القول هو الأصح عند الشافية.
محل النية: النية محلها القلب فيتحصل على ذلك أصلان:
ü الأول أنه لا يكفي التلفظ باللسان دون قصد أو نية. ومن فروعه إذا اختلف اللسان والقصد القلبي فالعبرة بالقلب ويعد التلفظ لغوا كمن نوى بقلبه صلاة الظهر وقال بلسانه سأصلي العصر وكذا لو سبق لسانه إلى لفظ اليمين وهو لا يقصدها فإنها لغو لا تنعقد لانتفاء القصد. ü الثاني أن القصد القلبي وحده كاف فلا يشترط معه التلفظ. ومن فروعه مسائل النية في العبادات كلها فإنه لا يتلفظ بالنية فيها بينما يتلفظ بالنية في الحج والعمرة حيث يقول عند الإحرام: لبيك اللهم حجة أو عمرة أو حجة وعمرة. افتقار العمل للنية واستغناؤه عنها يختلف حكم النية باختلاف الأعمال فمنها ما تشترط فيه النية ومنها ما لا تشترط فيه ويصح العمل وتترتب عليه آثاره. بالنسبة للقرافي ما شرعت فيه النية ينقسم إلى:
v مطلوب وهو إما أمر أو نهي وما يتعلق بهما من أفعال وتروك.§ بالنسبة للنواهي فهي لا تحتاج فيها لنية حيث يخرج المكلف من عهدة المنهي عنه بمجرد الترك حتى وإن لم يشعر به فضلا عن قصده أما إن نوى بتركها ابتغاء وجه الله ومرضاته نال الثواب.§ بالنسبة للأوامر فهي قسمان: 1. ما تكون صور أفعالها كافية في تحصيل مصالحها فلا تحتاج إلى نية سواء كانت واجبة أم غير واجبة كرد الوديعة ونفقة الزوجات ودفع الديون فهذا القسم مستغن عن النية وهنا تجوز النيابة. 2. ما لا تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته بل يتوقف تحصيل مصلحته على نية امتثال أمر الله في أدائه كالعبادات فهذا القسم مفتقر إلى النية ويبطل الفعل إن تجرد عن النية وعند افتقار العمل للنية لا تصح النيابة. ملحوظة: إذا استوى في العمل جانب التعبد وجانب المعقولية فهل يتم إلحاقه بالتعبد أو إلحاقه بالمعلل فبالنسبة للمذهب المالكي فهذا العمل مفتقر للنية تغليبا للجانب التعبدي. v غير مطلوب كالمباح، لا ينوي من حيث هو غير مطلوب بل يقصد به التقوى على مطلوب فمن قصد بالنوم التقوى على قيام الليل فمن هذا الوجه تشرع نيته فقط لا من جهة أخرى فالمباح لا يفتقر إلى النية.
تقسيم آخر لعلاقة النية بالعمل من حيث الاستغناء والافتقار:
v باعتبار المعمول له، النية شرط لكل عبادة كما هي شرط لوقوع العمل قربة لله حتى ولو كان العمل من الأمور العادية كالأكل والشرب.
v باعتبار العمل نفسه، لتمييزه عن غيره من الأعمال ذلك أن الأعمال إما عبادات وإما عادات وهذه لا تشترط النية. والعبادات نوعان: ü أعمال مقصودة لذاتها وسيلة لغيرها، وهي نوعان :§ إما تلتبس بغيرها من صلاة وصوم وهذه تفتقر إلى النية.§ وإما لا تلتبس بغيرها كالإيمان بالله والخوف والرجاء وهذه لا تفتقر إلى النية لتمييزها بنفسها عن غيرها.ü أعمال غير مقصودة لذاتها، وهي نوعان:
§ أعمال مترددة بين التعبد المحض والمعقولية كالوضوء والغسل والزكاة فهذه تشترط لها النية عند جمهور العلماء وذلك تغليبا للجانب التعبدي ومن أدلتهم: - عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" . – قياس الوضوء على التيمم بجامع أن كلاهما عبادة تستباح بها الصلاة (والحنفية قالوا بعدم اشتراط النية في الوضوء والغسل لأن كلاهما معقول المعنى ولأن الماء مطهر بنفسه فلا يحتاج إلى نية لأن يصبح مطهرا).
§ أعمال غير مترددة بين التعبد المحض وغيره كالمشي إلى المسجد والسعي إلى الحج فهذه لا تشترط لصحتها النية.الاستثناء من القاعدة: مما سبق تفصيله يلاحظ أنه خرج عن القاعدة من حيث اشتراط النية لتمييز العمل عن غيره ما يلي:
Ø العادات كالجلوس في المسجد وسائر المباحات.
Ø العبادات التي لا تلتبس بغيرها مثل التوكل والخوف والرجاء.
Ø العبادات المعتبرة وسائل لغيرها كالمشي إلى المسجد وسيلة لأداء الصلاة إذا كانت معقولة المعنى والمترددة اختلافا.
ومن القواعد والضوابط فيما يحتاج إلى نية وما لا يحتاج إليها والتي ذكرها المقري:
v كل ما كانت صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته فإنه لا يفتقر إلى نية كغسل الجنابة.
v القربات التي لا لبس فيها كالذكر لا تفتقر إلى نية.
v النصوص لا تفتقر إلى نية لانصرافها بصراحة إلى مدلولها.
حكم انفراد النية أو العمل فقط [