منتدى الدراسات الإسلامية
السلام عليكم
مرحبا بك في منتدى الدراسات الإسلامية
يتعين عليك التسجيل أولا لمشاهدة الراوبط
منتدى الدراسات الإسلامية
السلام عليكم
مرحبا بك في منتدى الدراسات الإسلامية
يتعين عليك التسجيل أولا لمشاهدة الراوبط
منتدى الدراسات الإسلامية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الدراسات الإسلامية

منتدى جامعي
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الخالدي




عدد المساهمات : 4
تاريخ التسجيل : 14/01/2010
العمر : 52

قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 Empty
مُساهمةموضوع: قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1   قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 I_icon_minitime15/1/2010, 20:23

المصدر: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[center]قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية

قطب مصطفى سانو


قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية
قطب مصطفى سانو
تـمهيد: منهج البحث
تهدف هذه القراءة المعرفية في مصادر تقعيد النحو من وجهة نظر أصولية إلى مراجعة التصنيف التقليدي لمصادر اللغة والاحتجـاج لدى رواد المدارس النحويَّة التقليديَّة، قصد تجاوز بعض الأخلال المنهجيَّة الخطيرة التي لعبت ولا تزال تلعب دوراً في تعسير تعلم قواعد النحو، وفي صيرورة القواعد النحوية مجرد النظريات والأمثلة الخياليّة.
وتهدف هذه القراءة قبل ذلك إلى تقديم تصنيف منهجي عملي لمصادر تقعيد النحو بغية تيسير تعلمه، وبغية ربط متعلم القواعد بالقيم والأخلاق الواردة في الكتاب والسُنّة بدلاً من الأمثلة الافتراضية غير الواقعية ولا العملية.
وتهدف هذه القراءة أيضاً إلى دعوة النحاة المعاصرين إلى إيلاء الجانب المقاصدي شيئاً من الاهتمام في الدراسات النحوية الحديثة، إذْ أنَّ هذا الجانب لم يحظ ـ حسب علمنا ـ بالاهتمام اللائق به على الرغم مما له من أهميةٍ قصوى.
وقد انطلقت هذه القراءة من مبدأ مفاده أنَّ مصدرية نص للتقعيد النحوي تتوقف على ما يتمتع به ذلك النص من فصاحةٍ عاليةٍ، وقوةٍ بليغةٍ، فمقتضى ذلك أن يتمَّ تصنيف النصوص التي تعتبر مصادر للغة حسب قوتها ودرجة فصاحتها. وإذ ذلك كذلك، فإنَّه قد ترجحت لهذه القراءة غياب هذا الجانب المنطقي في حركة التقعيد النحوي، مما جعل تصنيف المدارس النحوية التقليدية لمصادر اللغة تصنيفاً معكوساً غير منضبطٍ، فلغة القرآن التي تعتبر اللغة العربية النموذجية الفصحى لم يتم استقراؤها استقراءً تاماً، وقدَّمت عليها لغة قبائل البدو، وأما لغة الحديث النبوي، فقد أُبْعِدَ من دائرة الاحتجاج والاستشهاد لأعذار غير علميَّة ولا منهجيَّةٍ، على الرغم من كون المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ أفصح من نطق بالضاد، وعلى الرغم من غلبة الفصاحة وقوة البيان على جلِّ الصحب الكرام ـ عليهم رضوان اللـه ـ ولهذا، فقد عنيت هذه القراءة بتقديم تصنيفٍ منهجي آخر لمصادر التقعيد النحويّ أملاً في أن يتمَّ به تجاوز وتصحيح الأخلال المنهجيَّة التي وقعت فيها المدارس النحويَّة التقليديَّة عند تصنيفها مصادر التقعيد.
أولاً: نظرة في جدلية العلاقة بين لغة القرآن الكريم واللغة العربية: يذهب علماء اللغويات إلى تعريف اللغة بأنها: «مجموعة اللهجات التي تنتمي إلى بيئة معينة» (1) وبتعبير آخر عند ابن جني عبارة عن «أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم» (2)
وأما اللهجة، فيعرِّفونها بأنها «مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة، ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة». (3)
وبالنظر في تعريف كل من اللغة واللهجة نجد أن اللغة أعم من اللهجة، وأن بينهما ـ كما يقولون ـ عموماً وخصوصاً من كل وجه، كما نستطيع أن نلحظ بأن أية لغة لابد لها من أن تكون مشتملة على جملة من اللهجات لقبائل شتى ومختلفة، ولئن أطلق على لهجة قبيلة واحدة من القبائل وصف «اللغة»، فلا يعدو ذلك أن يكون مجازاً في واقع الأمر. ويمكننا أيضاً أن نلحظ وجود مرونة وسعة في اللغة لا نجد شبيهاً لها في اللهجة، إذ بينما تتسع اللغة لتستوعب جملة من اللهجات وطرائق التعبير لمختلف القبائل نجد أن اللهجة لا تعترف إلا بطريقة واحدة في التعبير، وأية طريقة تحيد عنها سواء في التعبير أو في التركيب أو في التأليف، فإنها تعتبر خروجاً على المألوف، وابتعاداً عن الجادة، مما يعني تميّز اللهجات بالمحافظة وعدم الانفتاح، وما ذلك إلا لأنها تتميز بكونها أسلوباً لأداء الكلمة وتوصيل المعنى إلى السامع، ولهذا فلا غرو أن يسهل على أصحاب اللهجات معرفة الغرباء والدخلاء على ساحتهم، وليس كذلك الحال في اللغات التي يتميز العقلاء من أربابها بالانفتاح على سائر اللهجات، وبتقبُّل شتى القبائل بلهجاتهم إضافة إلى ابتعادهم عن التفاضل بين اللهجات.
وبناء على هذا، فإنه يمكننا أن نقرر القول بأن للقرآن الكريم لغة وليست لهجة، ويمكن تعريف تلك اللغة بأنها: مجموع لهجات القبائل التي اشتهرت بالفصاحة والبيان قبل نزول القرآن، واستخدم القرآن أساليبها وقوانينها تبييناً وتفصيلاً وتأسيساً، وتأكيداً تنتمي هذه اللهجات ـ جغرافياً ـ إلى كبرى قبائل الجزيرة العربية، وهذه اللهجات التي تتكون منها لغة القرآن الكريم لابد لها من أن تكون سائدة في ذلك الحين، مما يعني أن اللهجات الأخرى التي تولدت بعد اكتمال نزوله لا يمكن إدراجها ضمن لهجات القرآن، كما هو الحال في جل اللهجات العربية الحديثة التي ينطق بها اليوم السواد الأعظم في الدول العربية، فلئن كانت لهجات تلك الدول تنتمي في أصولها إلى بعض اللهجات التي نزل بها القرآن الكريم، غير أنها في واقع نشأتها اختلطت بجملة من اللهجات التي كانت سائدة كالآرامية (4) في الشام وغربي بلاد الرافدين، والقبطية (5) بمصر، والفارسية في عراق العجم، والبربرية في المغرب العربي الخ... وأما اللغة العربية، فيراد بها: مجموع لهجات القبائل العربية العاربة والمستعربة سواء منها تلكم التي اشتملتها لغة القرآن، أم تجاوزها القرآن إن استغناءً أو لأي سبب آخر. وتنتمي تلكم جغرافياً إلى الجزيرة العربية وشبهها ولواحقها. وبناء على هذا، فإنه يمكن القول بأنه ثمة فرقاً بين ما يصطلح عليه بلغة القرآن واللغة العربية، فلغة القرآن أخص من اللغة العربية، وذلك لأن لغة القرآن تنحصر في لهجات القبائل التي اشتملتها لغة القرآن، وهي قبائل معدودة ومعروفة من حيث الإجمال، وأما اللغة العربية، فتشتمل تلك اللهجات ـ بوصفها أمهات اللهجات العربية العاربة ـ واللهجات التي لـم ترد في القرآن إما بسبب نشوئها المتأخر كاللهجات التي نشأت بعد اكتمال نزول القرآن، كلهجات العرب المستعربة.. أو بسبب تجاوز القرآن تلك اللهجات وقت نزوله كاللهجات الحبشية، والفارسية، والرومية... وعليه، فإننا نستطيع أن نخلص إلى القول بأن العلاقة الجدلية بين لغة القرآن الكريم واللغة العربية هي علاقة عام بخاص، فلغة القرآن أخص من اللغة العربية، وذلك لأن لغة القرآن لم تشتمل على جميع لهجات العرب العاربة ناهيك عن لهجات العرب المستعربة، كما أنَّ لغة القرآن تتميز بكونها فصحى لهجات كبرى القبائل وأجزلها معنى، وأوقعها في النفس جرساً، بل أخفها نطقاً على اللسان، وأعلاها شاناً ومنزلة.
1ـ اشتمال القرآن على ألفاظ أعجمية وعلاقة ذلك بموضوع لهجات القرآن: ثـمة اختلاف بين العلماء ـ أصوليين ومفسرين ولغويين ـ قديماً وحديثاً حول اشتمال لغة القرآن الكريم على ألفاظ أعجمية غير عربية في أصلها، وغير منتمية إلى لهجات القبائل العربية عموماً، ويمكننا حصر أهم الآراء الواردة حول هذا الموضوع في ثلاثة آراء رئيسية هي:
أ ـ رأي يرى أنه ليست في القرآن ألفاظ أعجمية، وكل لفظ فيه عربي أصلاً وفصلاً واستعمالاً، ويتزعم الشافعي ـ رحمه اللـه ـ هذا الرأي، وشد نكيره على المخالفين له في هذا عندما قال:
«... وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله. فقال منهم قائل: إن في القرآن عربياً وأعجمياً. والقرآن يدل على أن ليس من كتاب اللـه شيء إلا بلسان العرب. ووجد قائل هذا القول من قبل ذلك منه، تقليداً له، وتركاُ للمسألة له عن حجته، ومسألة غيره ممن خالفه. وبالتقليد أغفل من أغفل منهم، واللـه يغفر لنا ولهم...» (6) وأسهب الإمام الشافعي ـ عليه رحمة اللـه ـ في الرد على مخالفيه، وتبعه عدد لا يستهان بهم من فطاحلة علماء الأصول من بعده كالباقلاني، الذي لـم يقل عن الشافعي تحمساً في رده على المخالفين لهم في هذا الرأي (7) .
ب ـ وأما الرأي الآخر، فيرى أن في القرآن الكريم ألفاظاً اعجمية غير عربية الأصل، وردوا على جميع ما أورده أصحاب القول الأول من ادلة، ومن أقوى ردهم ما قاله الامام الغزالي:
«إن اشتمال القرآن على كلمتين، أو ثلاث كلمات، أصلها أعجمي وقد استعملتها العرب، ووقعت في ألسنتهم لا يخرج القرآن عن كونه عربياً، وعن اطلاق هذا الاسم عليه، فوجود مثل هذه الالفاظ فيه لا يتمهد للعرب حجة، ذلك أن الشعر الفارسي يسمى فارسياً، وإن كانت فيه آحاد كلمات عربية اذا كانت تلك الكلمات متداولة في لسان الفرس...» (Cool .
ج ـ ثمة رأي ثالث ينحو أصحابه منحى توفيقياً بين الرأيين السابقين، اذ ينتهي إلى القول بانه لا خلاف حقيقياً بين الرأيين السالفين، إذ أن الالفاظ التي اعتبرها أصحاب الرأي الثاني ألفاظاً أعجمية، إنما ذلك بالنظر إلى أصول تلك الألفاظ، فقد كانت اعجمية، ولكنها وقعت للعرب فعربتها بألسنتها وحولتها إلى ألفاظها، عندئذ صارت عربية، ثـم نزل القرآن والحالة هذه، ولذلك، فمن قال إن هذه الألفاظ عربية فهو صادق بالنظر إلى ماصارت عليه... ومن قال إنها أعجمية، فهو الآخر صادق بالنظر إلى ما كانت عليه قبل.. (9)
هذا ملخص الآراء التي قيلت في هذه المسألة، وقد أوسع كل طائفة رأي الأخرى جانب النقد والابطال والرفض، ويرجع للاستزادة إلى تفاصيل ذلك في مظانها.
وأيَّــا ما كان الأمر، فإن الباحث ليرى في رأي الطائفة الثانية سداداً ووجاهة وقوة لما يتميز به من تفصيل دقيق، ونظرة عميقة، ولكن وجود تلك الالفاظ أو الكلمات في القرآن الكريم لا ينبغي اتخاذها أساساً للقول باشتمال القرآن الكريم على لهجات الأمم ولغاتها، وذلك لأنه لا علاقة ـ في نظر الباحث ـ بين ورود كلمة او لفظة او بضع كلمات وألفاظ في القرآن مجردة غير مصاغة في قالب لهجة وبين اشتمال القرآن أسلوباً واستعمالاً على لهجة من لهجات القبائل، فاللهجة ليست عبارة عن كلمة أو كلمتين او لفظة أو لفظتين، أو بضع كلمات وبضعة ألفاظ، ولكنها ـ كم أسلفنا ـ عبارة عن اسلوب خاص في أداء الكلمة إلى السامع وفي تركيب الجمل وترتيب المفردات وأدائها وفق قانون يتفق عليه أبناء قبيلة من القبائل، بحيث يغدو ذلك الاسلوب بعد ذلك صفة لغوية وعادة كلامية لتلك القبيلة، ومن مجموع لهجات القبائل المختلفة تتألف اللغات، كما هو الحال في لغة القرآن الكريم التي تألفت من لهجات فصحى القبائل العربية في الجزيرة العربية وشبهها.
وعليه، فاشتمال لغة القرآن على كلمة او لفظة أو بضع كلمات والفاظ أصولها أعجمية لا علاقة له باشتماله على لهجات القبائل العربية الفصحى التي أشرنا إليها من ذي قبل. فاللهجة ـ كما أسلفنا ـ أسلوب مقنن في أداء الكلام وفي التعبير، ويتألف من مجموع الكلمات والألفاظ.
2ـ لهجات القبائل التي تتألف منها لغة القرآن الكريم: ليس من اليسير حصر اللهجات التي وردت في القرآن الكريم في عدد معين، بل من المتعذر الوصول إلى قول فيصل في هذه المسألة التي حظيت في وقت مبكر باختلاف الآراء وتعدد وجهات النظر، ولعل مرد هذه الاختلافات برمتها إلى ذلك الحديث الشهير المتفق عليه الذي يرويه عدد من الصحابة ـ رضي اللـه عنهم ـ بطرق مختلفة عن أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: «اقرأني جبريل على حروف فراجعته، فلم أزل استزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة احرف»(10) وفي رواية أخرى شهيرة عن عمر بن الخطاب ـ رضي اللـه عنه ـ قال سمعت هشاماً بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول اللــه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لـم يقرئنيها رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ فكدت أساوره في الصلاة، فانتظرته حتى سلم ثـم لببته بردائه أو بردائي فقلت: من أقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ قلت له: كذبت، فواللـه إن رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ أقرأني هذه السورة متى سمعتك تقرؤها، فانطلقت أقوده إلى رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول اللـه إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لـم تقرئنيها، وانت أقرأتني سورة الفرقان، فقال رسول اللـه ـ صلى عليه وسلم ـ أرسله يا عمر: اقرأ يا هشام، فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها. قال رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ هكذا نزلت. ثـم قال رسول اللـه ـ صلى اللـه عليه وسلم ـ: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه» متفق عليه، وهذا اللفظ للبخاري (11) فهذا الحديث على الرغم من شهرته وبلوغه درجة التوتر المعنوي عند الامام أبي عبيد بَـيْـد أن تحديد المراد بالأحرف فيه قد كان ولايزال حتى هذه اللحظة محل نزاع واختلاف بين العلماء من قديم الزمان إلى وقتنا الحاضر، ولعل أهم الآراء التي قيلت في تحديد المراد بالأحرف مما ينسب إلى الأئمة أبي عبيدة، وأبي حاتـم السجستاني، والطبري وغيرهم(**) من أنَّ المراد بها هي لهجات القبائل التي تشتمل عليها لغة القرآن، والتي تعرف بكونها أفصح لهجات القبائل العربية وقت نزول القرآن الكريم، وقد استند ارباب هذا القول على جملة من الادلة والحجج العلمية التي كانت محل اعتراض ورد ونقد. واذا ماجال المرء نظراً ثاقباً فيما أورده المعترضون عل ى هذا الرأي، فسيجد أن اهم اعتراض وأعمقه يرتكز على القول باشتمال القرآن الكريم على لهجات أخرى لقبائل خارج القبائل العربية السبعة الفصحى، مما يؤكد على عدم ارادة اللهجات بالأحرف في الحديث. ثمة جملة من الاعتراضات على هذا الرأي عني الشيخ الزرقاني بسردها في كتابه «مناهل العرفان في علوم القرآن».
وأياً ما كان الأمر، فإننا لا نرى من جدوى في فصل القول في المعنى المراد بالأحرف السبعة في الحديث(12) ولكنا نعتقد أن ثـمة بصيصاً من نور الصواب يخالج رأي القائلين بأن المراد بالأحرف في الحديث هي لهجات أفصح القبائل العربية عند نزول القرآن، وذلك لأن سياق عدد من روايات الحديث يدل على ذلك دلالة غير مباشرة، بل أن الناظر في جلِّ الآيات القرآنية التي أكدت نزول القرآن الكريم باللسان العربي يجد صفة الابانة ملازمة للسان كما قوله تعالى {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} النحل ـ 103. وكذلك في قوله في آية أخرى مؤكداً على صفة الإبانة {وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين} 192 الشعراء ـ 195. والإبانة عند علماء اللغة هي الفصاحة، وهذا يؤكد انتفاء الأسلوب القرآني واشتماله أفصح لهجات القبائل العربية ايامئذٍ. ولئن اختلف ارباب هذا الرأي في تعيين تلك القبائل في ذلك الحين، فإن ذلك لايدل على وهن أو ضعف في هذا الرأي، كما ذهب إلى ذلك بعض العلماء الذين رفضوا هذا الرأي معللين بأن «.. القبائل العربية الواردة لغاته ا (لهجاتها) في القرآن الكريم لا يصح تقييدها بعدد معين، وقد بلغت في كتاب أبي عبيد» لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم «بضعاً وثلاثين»(13)، فهذا الاعتراض نخال صاحبه قد أخطأ الرمية وليس بالوجيه في شيءٍ، وذلك لأنَّ ما أورده أبو عبيد في كتابه الموسوم «لغات القبائل الواردة في القرآن الكريم». لا يتعارض في شي مع مانحن بصدده هنا، ولاعلاقة له البتة بمفهوم اللهجة التي هي عبارة ـ كما أسلفنا ـ عن اسلوب أداء الكلمة إلى السامع وتتألف من مجموعة الصفات اللغوية المنتمية إلى بيئة خاصة يشترك فيها جميع أفراد تلك البيئة، وهي أيضاً ـ كما قلنا ـ عبارة عن الطريقة المتفق عليها لدى قبيلة من القبائل في التعبير بحيث تقوم تلك الطريقة على التأليف بين المفردات والجمل من ناحية، واختيار طريقة معينة في أداء الكلام إلى السامع من ناحية اخرى.
واما صنيع الامام أبي عبيد في كتابه، فقد كان عبارة عن التركيز على معاني الكلمات القرآنية عند مختلف القبائل والامم العربية والاعجمية على حد سواء، ولم يعن قط بالتركيز على الاسلوب الذي وردت فيه تلك الكلمات، والطريقة التي استعملت بها تلك الكلمات، بل إن المرء ليجد في أحيان كثيرة الامام أبا عبيد يركز تركيزاً على تحديد معنى الكلمة عند قبيلة من القبائل مجردة عن السياق الذي ترد فيه تلك الكلمة، وعن الصياغة التي تؤدى فيها الكلمة، ويعتبر هذا الأمر في نظرنا أقرب إلى أن يكون ابرازاً لمعاني بعض الكلمات والمفردات لدى القبائل وأمم الارض الحاضرة وقت نزول القرآن، ولاشك أن هذا الصنيع من الامام ابي عبيد محل نظر، وذلك لتعذر معرفة أول قبيلة استخدمت الكلمة قبل القبائل الأخرى، إذ بامكان كل قبيلة أن تذهب إلى القول بأنها هي اول من استعملت الكلمة الفلانية، ولقبيلة اخرى أن تعارضها في ذلك، ممايعني أن القطع باعتبار كلمة فارسية أو عبرية او سريانية لا يعدو أن يكون توسعاً في ادعاء الأولوية والسبق في قضية يصعب الفصل فيها بين المتعارضين، وأضف إلى هذا أنه قد تكون الكلمة مشتركة بين اكثر من قبيلة، ممايعني أن حصر انتمائها إ لى قبيلة دون اخرى أمر لا يشهد له واقع تاريخي متزن.
وأياً ما كان الامر، فإن صنيع أبي عبيد لايصلح للاعتراض على القائلين بنزول القرآن في أفصح لهجات القبائل العربية، وذلك لأن اشتمال القرآن على كلمة او لفظة لقوم أو قبيلة أو أمة يختلف عن اشتماله لهجة من لهجات القبائل، فعلاقة اللهجة في نظرنا بالسياق والاسلوب أكد من علاقتها بمعاني المفردات والكلمات والالفاظ.
ولئن ظل المعترضون متمسكين بوجود عدد من اللهجات يفوق اللهجات السبع، فإنه من المقرر عند بعض العلماء كالقاضي عياض ومن تبعه أنه لا يراد بالعدد الوارد في الحديث حقيقته، وإنما هو كناية عن الكثرة في الآحاد كما ان السبعين تستعمل كناية عن الكثرة في العشرات، والسبعمائة كناية عن الكثرة في المئات..(14) الامر الذي ينفي وجود اشكالية بين اشتمال القرآن الكريم على اللهجات السبع وبين ورود لهجات أخرى غير السبعة في القرآن الكريم. وبغض النظر عن صحة هذا التأويل، فإن الحقيقة التي لايمارى فيها هي أن لغة القرآن تتألف من أفصح لهجات القبائل من حيث الجملة، فتوافر معيار الفصاحة في لهجة من اللهجات اساس في اشتمال لغة القرآن عليها، ولهذا، فقد كانت ميزة الفصاحة والبلاغة والبيان ـ دوماً وأبداً ـ من أهم مزايا الاسلوب القرآني، إذ لـم يرد فيه قط لهجة يمكن وصمها بعدم الفصاحة(15)
ومهما يكن من شيء، فإننا نخلص إلى تقرير حقيقة مفادها: ان اللهجات التي اشتملتها لغة القرآن قد كانت أفصح لهجات القبائل آنذاك، ونقرر أيضاً أن ثمة تداخلاً بين لهجات القبائل مما يجعل الاختلاف في تعيين القبائل التي اشتملت لغة القرآن لهجاتها خلافاً نظرياً غير جوهري. واذ الأمر كذلك، فإنه لحري بنا أن نلقي نظرة في القبائل التي تتألف من لهجاتها لغة القرآن وهي:
ـ قريش، وهذيل، وتميم، والأزد، وربيعة، وهوزان، وسعد بن بكر ويرى آخرون أن القبائل المرادة هي: قريش، وهزيل، وسعد بن بكر، وثقيف، وخزاعة، وأسد وضبة والفافهما، وتميم وقيس ومن إنضاف إليهم.. وتذهب جماعة ثالثة إلى القول بأنها هي: قريش، وكنانة، وأسد بن خزيمة، وهذيل، وتميم أو تيم الرباب، ضبة، وقيس(16).
إن النظرة التحليلية الفاحصة في هذه الأقوال الواردة حول القبائل السبع نجد أن ثمة اتفاقاً على قبائل ثلاثة وهي: قريش، وهذيل، وتميم، واما القبائل الأخرى، فقد تتوزع فيها، والذي يبدو لنا أن ذلك النزاع في واقع أمره ليس من المتعذر التأليف بين هذه الآراء، وذلك انطلاقاً من اعتبار وجود تداخل ملحوظ بين بعض القبائل، وبمعرفة العلائق بين القبائل بعضها ببعض، كعلاقة تميم بقيس، وبضبة، وبأسد بن خزيمة يستطيع المرء أن ينتهي إلى اعتبار هذه القبائل قبيلة واحدة ذات أفخاذ أربعة بدلاً من اربع قبائل، كما هو الحال في لهجة قريش التي هي عبارة عن معظم لهجات قبائل الحجاز، ولكنها تشتهر بلهجة قريش، وبناء على هذا يمكننا ان نقلص لهجات القبائل في الآتي:
قريش، وهذيل، وتميم، وكنانة، وسعد بن بكر، وهوزان، وثقيف، فهذه القبائل السبعة يمكن اعتبار لهجاتها مجتمعة لغة القرآن الكريم، واذا ما وردت لهجة في كتابات العلماء منسوبة إلى قيس، أو أسد، أو ضبة، فإنها يمكن اعتبارها لهجة تميم بوصفها اللهجة الأم لقيس وضبة وأسد وغيرها من لهجات اهل نجد، وبهذا يتم حل الاشكال في احتمالية وجود لهجات مختلفة في القرآن الكريم عن اللهجات السبع التي أشرنا اليها.
واذ الأمر كذلك، فإننا نخلص إلى القول بأن لغة القرآن الكريم عبارة عن لهجات تلك القبائل السبع وما اعتبرت لهجة لغيرها من القبائل. فإنها تؤول في نهاية امرها إلى لهجة أحداها ولامحالة. ولسائل أن يتساءل عن المقاصد الشرعية إزاء اشتمال القرآن في أسلوبه على لهجات تلكم القبائل المذكورة؟ وقبل الاجابة عن تساؤل منهجي ـ كهذا ـ فإننا نستعجل القول بأن ما قلناه لايتعارض مع الشائع لدى الناس من أن القرآن الكريم قد نزل بلغة قريش، وذلك لأن المراد بهذا الأمر في نظرنا التغليب ليس إلا، نعني أن جل نصوص القرآن الكريم قد نزل بلهجة قريش، ولكن جزء آخر لايستهان به قد نزل بلهجة غيرها من القبائل، كلهجة كنانة، ولهجة هذيل، وغيرها من اللهجات، وعليه، فلا تعارض في واقع الامر بين هذا الشائع وما نسعى إلى تقريره في هذا الموضوع!
ثانياً: مقاصد الشريعة في تعدد لهجات لغة القرآن الكريم: ليس من الأمر الهين ادعاء حصر مقاصد الشريعة في تعدد لهجات القرآن في بضعة مقاصد، بل ليس بوسع أحد أن يختلف إلى القطع في هذه المسألة، وكل ما يمكننا فعله هو الاشارة إلى بعض تلك المقاصد على سبيل المثال لا على سبيل الحصر، وعليه، فنقول:
1ـ الحفاظ على اللهجة التي قطعت شوطاً في انتقاء أفصح اللهجات وتلقتها بقية القبائل بالقبول: إن لهجة قريش قد كانت قبيل نزول القرآن الكريم افصح لهجات القبائل العربية، وأعلاها شاناً، وما ذلك إلا لـ«.. أن قريشاً كانوا ينزلون من مكة بواد غير ذي زرع لا يستقل أهله بتكاليف الحياة... وكانت الكعبة ـ شرفها اللـه ـ وجهة العرب، وبيت حجهم قاطبة في الجاهلية، فكان لكل قبيلة منهم صنم يحجون اليه... وكانت تلك القبائل بطبيعتها متباينة اللهجات. فكان قريش يسمعون لغاتهم، ويأخذون ما استحسنوه فيديرون به ألسنتهم.. فلما اجتمع له هذا الأمر ارتفعت لغتهم عن كثير من مستبشع اللغات ومستقبحها...» (17) وغدت لهجتها بعد ئذ أفضل لهجات القبائل العربية، وأحسنها مسموعاً، وأبينها إبانة عما في النفس. ولهذا، فلم يكن ثـم عجب ان ينزل القرآن في شطر كبير من نصوصه في هذه اللهجة التي اجتمعت فيها جل حسنات لهجات القبائل العربية، وأصبحت أفصحها وأكثرها تقبلاً لدى معظم القبائل، ولم يكن الأسلوب القرآني بحاجة إلى اعادة بناء هرم من فصيح اللهجات مخالفاً لما تعوده الناس، وألفوه ولذلك، فقد كفت لهجة قريش الأسلوب القرآني في هذا الأمر، وتحقق فيه ما تحقق في الجانب التعبدي الأخلاقي من الحاجة إلى التكميل بدلاً من التأسيس من صفر «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
2ـ تطوير معيار منهجية لانتقاء الفصحى من لهجات القبائل :بحيث يتم اضافة لهجات لـم تدرج ضمن اللهجات الفصحى التي اختارتها قريش إما لكونها غير فصحى في المفهوم القرشي للفصحى وإما للنظرة الدونية إلى ارباب تلك اللهجات، وإما لأي شيء آخر:
لئن قدرت قريش على ان تقطع شوطاً في التنقيب عن أفصح اللهجات وأبينها من لهجات قريش، فإنها في جميع أحوالها لـم تبلغ الحد النهائي في اختيارها سائر الفصحى من اللهجات، بل إنه ليس من مستبعد ان تذهب بها الحمية إو العصبية أو غير ذلك إلى تجاوز لهجات واعتبارها لهجات غير فصحى، والحال أن تلك اللهجات تتوافر فيها الفصاحة التي تتوافر في غيرها من اللهجات المنتقاة، ولذلك، فما كان الأسلوب القرآني ليكتفي بتقرير ماأقرته قريش، ولا العكوف عند ذلك الحد بل ما كان الأسلوب القرآني ـ في الوقت نفسه ـ اسلوباً يتجاوز القدر الفصيح الذي اعتمدته قريش واستوعبته من اللهجات، بل بدلاً من ذلك لاذ بضم لهجات ربما ترفعت قريش عن تقبلها، واعتبرتها في عداد غير الفصيح من اللهجات، ويمكن للمرء أن يلمس خيوطاً رفيعة تؤكد على اختلاج هذا الشعور لدى قريشاً في تعامل عمر بن الخطاب ـ رضي اللـه عنه ـ القرشي مع هشام بن حكيم عندما استنكر قراءته واعتبرها فحشاً ولحناً، ليس لأي سبب إلا لكونها قراءة مشتملة على طريقة لأداء الكلمات غير مقبولة لدى قريش. بل إن المرء يستطيع ان يكشف عن هذا الجانب النفسي في تعامل قريش مع لهجات القبائل الأخرى في اعتراض أبي بن كعب ـ رضي اللـه عنه ـ هو الآخر على قراءة ذينكما الرجلين اللذين لا نشك في كونهما غير قرشيين، ولا نرتاب في كون قراءتهما مخالفة للهجة القرشية التي تشبع منها أبي بن كعب ـ رضي اللـه عنه. ولئن سلكت قريش في تعاملها مع لهجات القبائل منهج استيعاب ما تروق لها من لهجات القبائل وما تعتبره الفصيح، ثـم هضم تلك اللهجات وضمها إلى لهجتها، فإنها قد انتهجت في نظرنا منهجاً آخر يتمثل في استيعاب لهجات القبائل الوافدة، فالاستنكاف عن هضمها، وربما اعتبرتها مستقبحة غير فصيحة. وقد كان منطلق قريش في كلا المنهجين قائماً على استشعارها مكانتها بين القبائل والتي تميزت في أكثر الاحيان بالترفع والتعالي والتسامي. ولهذا، يمكننا القول بأنه تصحيحاً للمنهج القرشي في انتقاء الفصحى من اللهجات وهضمه وتوسيعاً لدائرة اللغة الفصحى، بل تجاوزا الحد الذي توقفت عنده قريش اقتضت الحكمة الالهية على ألا ينزل القرآن الكريم برمته في لهجة قريش، وعلى أن يشتمل الاسلوب القرآني على لهجات قبائل أخرى ليقضي القرآن بذلك على نزعة الترفع، ونظرة التعالي لدى قريش وغيرها من قبائل العرب، ولا يخفى ما في هذا الأمر من تأليف لقلوب ارباب تلك اللهجات، وانتقالٍ بهم من مؤخر الصفوف إلى مقدمتها، إذ أكرم بالقرآن الكريم سجلاً خالداً يكسو اللهجة ثوب الفصاحة والمكانة بين اللهجات.
3ـ ضبط الاطار العام للغة العربية الأم الفصحى التي لا تجارى ولا تضاهى وإنما تقتدى: إن القرآن الكريم قد جاء مؤصلاً للإطار العام للغة التي ينبغي لها ان تغدو اللغة الأم الفصحى لسائر القبائل القائمة واللاحقة، ومن شان المؤصل والمؤسس مراعاة الواقع المعاش، والانطلاق من النظرة الكلية لا الجزئية بحيث يصبح ما يرسيه قاعدة وأصلاً لسائر الناس، وهذا الجانب المنهجي في التأسيس والتأصيل قد راعاه الاسلوب القرآني عند اشتماله على فصحى لهجات القبائل العربية من ناحية، وعند تعديله من مفهوم الفصاحة لدى قريش، إذ جعل للفصاحة معياراً مختلفاً من حيث النتائج عن المعيار الذي كانت قريش تعتمده في الانتقاء والتلفيق والاختيار. الامر الذي يمكن تفسيره بضبط الاطار النظري العام للغة الفصحى، ولهذا، فما كان للأسلوب القرآني ـ وهو المؤطر لهذا الاطار ـ ليغفل هذا الجانب، فيتجاهل لهجات القبائل، ويقف عند لهجة قريش أو غيرها فقط، وإنما بدلاً من ذلك انطلق الأسلوب القرآني مؤصلاً ومؤسساً للإطار العام للغة النموذجية الصالحة للقياس عليها واتخاذها أصلاً لكل تقعيد وتصحيح وهذا المقصد ينسجم مع قول أولئك الذين نفوا أن يكون المراد بالأحرف الس بعة الحقيقية العدد، وإنما ذكر ذلك العدد من باب الدلالة على الكثرة ليس إلا... ويمكن للمرء ان يلمس أثر هذا المقصد على كثير من القواعد النحوية التي اعتمدتها بعض المدارس النحوية في التقعيد، إن اعتماداً شبه كلي كما الحال في مدرسة الكوفة، او اعتماداً جزئياً كما هو الحال في مدرسة البصرة. وقد أورثت نسبة الاعتماد على هذا الجانب كلتا المدرستين مزايا وخصائص، ومن أهمها: إما التوسع في التأويل المتنطع والتخريج المتكلف كما هو الطابع الغالب على مدرسة البصرة. أو عدم التوسع في التأويل المتنطع والتخريج المتكلف كما هو الطابع الغالب على مدرسة البصرة، أو عدم التوسع في الامرين المذكورين كما هو الحال لدى كثير من رواد مدرسة مصر.
ومهما يكن من شيء، فإن هذا المقصد الكلي مرعي في الشريعة الاسلامية على سائر المستويات العقدية والاخلاقية والعملية، فأما على مستوى الأحكام العملية فإن ضبط إطار العمل الحسن أو القبيح لـم يعد شأناً متروكاً للحس الانساني أو العقل البشري، بحيث ينحصر الحسن أو القبيح فيما حسنه، أو قبحه، بل غدا تحديد الحسن والقبيح ـ بعد ورود الشرع ـ امراً موكولاً إلى الشرع فالشرع وحده هو الذي يملك سلطة رسم الخطوط الفاصلة بين حسن الأفعال وقبيحها. واما على مستوى العقائد والاخلاق، فإن للمرء أن يلحظ حضور هذا المقصد، إذ أن الشرع قد عني بتأطير الحدود التي يقوم عليها الاعتقاد الصحيح، وبوضع المقاييس والمعايير الثابتة للخلق الفاضل الحري بالتحلي، ولم تعد مهمة رسم حدود العقيدة الصحيحة، أو الاطارالعام للخلق الحميد متروكاً لأذواق الناس ورغباتهم، وقد انتهج الشرع في تحقيق هذا المقصد على جميع المستويات المذكور منهج المراجعة والتصديق، إذ راجع جملة من الافعال والعقائد والأخلاق مراجعة جذرية، فنبذ ما كان منها جائراً بائراً، واعتمد ما كان صالحاً للبقاء والدوام، وثلث ذلك بتأصيل الاطر العامة لهذه القضايا كلها واضعاً بذلك النهاية لكل ادعاء أو خروج او تمرد على مقاييسه ومعاييره، وقد تـم تحقيق هذا الامر للشرع بوصفه المهيمن المطلع على ما كان وما سيكون وما هو كائن إلى قيام الساعة.
وبنـاءً على هذا، فإنه ليس بوارد أن يكون الشرع قد استبعد هذا المقصد الكلي في اشتمال القرآن الكريم على فصحى لهجات القبائل، وسعيه من وراء ذلك إلى وضع ضابط الفصحى وتحديد الاطار العام للغة الفصحى النموذجية. ولئن غاب استكشاف هذا الجانب في الدراسات اللغوية والنحوية بسبب عدم ربط النحاة بين المقاصد الالهية في هذا الشأن والقواعد النحوية، فإن ذلك لا يعني عدم وجود هذا الأمر على مستوى القواعد.
وعلى كل، تلك جملة من المقاصد الكلية وراء اشتمال القرآن على فصحى لهجات القبائل، وليس ثـم ريب أن هنالك مقاصد أخرى كثيرة ولكننا نرى أن السير قد يطول بنا إذا حاولنا الوقوف عليها كلها، ولذلك، فإننا نرى أن ما أوردناه، فيه الغنية والكفاية، وتعتبر ـ في نظرنا المتواضع ـ من أمهات تلك المقاصد العلّية. وعليه، فإنه حري بنا أن نتساءل عن مدى استحضار علمائنا النحاة هذه المقاصد وغيرها عند تقعيدهم وضبطهم القواعد النحوية، وقمين بنا أن نتحقق عن مدى مراعاتهم هذه الأسس في التأصيل والتقعيد.
ثالثاً: حركة التقعيد النحوي ولغة القرآن الكريم: نروم من حركة التقعيد المدارس النحوية التي رامت من منتصف القرن الأول الهجري وضع قواعد وضوابط لتسهيل فهم القرآن الكريم، وتوضيح ما غمض وانبهم من الالفاظ لمن لـم تكن ألسنتهم عربية في الأصل، كما نروم منها تلكم الجهود الجبارة التي نهض بها الغير في صيانة لغة القرآن الكريم، وحمايته مستقبلاً من كل تحريف أو تبديل خدمة لهذا الكتاب العظيم. شأن تلك الحركة العلمية كشأن بقية الحركات العلمية التي نشأت مستهدفة تيسير فهم النص الشرعي ـ قرآناً وحديثاً ـ وتوضيح معانيه للناس، كما هو الحال في علم الفقه، وعلم الأصول، وعلم البلاغة وغيرها من العلوم التي دونت ولا تزال تُدَّون خدمة لكتاب اللـه العزيز.
1ـ ولئن نسج بعض المؤرخين حول نشأة النحو صوراً من الاخبار تنتهي إلى القول بنشأة النحو نشأة فجائية بسبب حادثة لحن سرت إلى مسمع أحد التابعين ـ أبي الأسود الدؤلي ـ من ابنته أو أخته أو جارته بل لئن ذهب الذاهبون إلى اعتبار زياد بن أبيه قد استهدف من وضعه النحو القضاء على اللحن الذي شاع أمره وفشا خطره في مملكته، فإنّه مما لا يشكُّ فيه أن تلك الأخبار بجملتها وتفاصيلها لا تخلو من أن تندرج تحت جملة الأساطير التي نسجها وأشاع أمرها القصِّاص ورواة الغرائب واللطائف والنكت في دنيا الناس، وذلك لأنّه لو كانت مواجهة اللحن في اللغة هي الغاية في نشأة النحو، فإنَّ المنطق يقتضي أن ينشأ النحو في فترة مبكرة، وذلك لأنَّ اللحن قد وجد قبل حادثة تلك الجارية، بل من المتفق عليه أنَّ الإنسان في حقيقته ينشأ مع اللحن، ويمكن ملاحظة ذلك في لغة الطفل أيام الطفولة، فالمراهقة ثـم الشباب.. بل لو أنَّ سبب النشأة يعود إلى تلك الحادثة، فقد كان بالأمر اليسير معالجتها كما يعالج لحن الطفل، وليس من حاجة إلى استنهاض جيشٍ بكامله في مواجهة حادثة كهذه.
ولهذا، فإنه لا يخالج الباحث ذرة من شكٍّ من كون تلك الأخبار غير علميَّةٍ وكل ما يمكن قوله هو أنَّ علـم النحو نشأ كغيره من العلوم نشأة طبيعية ومرت بما تمر به كل العلوم من مرحلة اجتنان، ومخاض، وولادة، وطفولة وشباب الخ.. وليس صحيحاً في شيءٍ أن يكون قد نشأ نشأة فجائَّية دون أن تسبقها إرهاصات.
وعليه، فكلُّ ما يهمنا التأكيد عليه هي تلك الرغبة الصادقة التي دفعت الأجيال التي نمت على سواعدها أركان هذا العلم إلى تدوين هذا العلم ليغدو كغيره من علوم القرآن علماً يسهِّل فهم المراد الإلهي من نصوص كتابه لكلِّ متدبِّرٍ، ويصون حماه من كل ما هو مستقبح من الألفاظ والأساليب ويمكن للمرء أن يلمس أثر هـذه الرغبة واضحةً في اعتبار المدارس النحوية باختلاف مواقعها ـ البصريَّة والكوفية والبغدادية والشامية والمصريَّة ـ القرآن الكريم أحد مصادر التقعيد والتأصيل.
2 ـ وإذا كان ثـمة اتفاق بين المؤرخين على اعتبار مدرسة البصرة أولى المدارس النحوية وأقدمها نشأة، بل لئن كان هنالك اتفاقٌ على وجود أسباب علميَّة واجتماعية وراء نشأة هذه المدرسة البصرية، فإنَّ للمرء أن يستقرىء ذات الأسباب العلمية المنهجيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة وراء نشأة بقية المدارس النحوية، بل للمرء أن يتعرف على الجديد الذي رامت المدارس النحوية استدراكها على المدرسة البصرية العتيدة. وليس من ريبٍ في أن الوقوف على هذه الجوانب التاريخية لخير مساعدٍ على فهم مناهج المدارس وخصائصها وأهدافها. وبما أنَّ المقام لا يتسع لأن نوسع هذه الأمور جانب التفصيل والتوضيح، فإننا سنكتفي بالتعرف على جزء هام من التساؤل الأول، وهو الأسباب المنهجيَّة الكامنة وراء نشأة المدارس النحوية بعد المدرسة البصرية.
3 ـ إنَّ منهجيَّة المدرسة البصرية في تقعيد القواعد النحويَّة يمكن استيعابها من خلال النظر المتأمل في مصادر التقعيد التي اعتمدتها.. ويمكن تلخيصها في المصادر التالية:
أ ـ القبائل البدوية التي لـم تختلط بغيرها من الأمم، وهي القبائل التي كانت تعيش في قلب الجزيرة العربية كقريش التي كانت أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ، وقبائل العرب من قيس وأسد، وهذيل، وكنانة، وبعض الطائيين.. وتتميز هذه القبائل بالتعمق في التبدي، والالتصاق بحياة البادية، وهم أهل شيح وقيصوم وحرشة ضباب، بل أكلة يرابيع، وقد حدَّدهم الفارابي عندما قال منبهراً: «.. والذين نقلت عنهم اللغة العربية، وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي من بين قبائل العرب، هم قيس وأسد، فإنَّ هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب، ثـم هذيل، وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم.. وبالجملة، فإنه لـم يؤخذ عن حضريِّ قطُّ..»(18). فما تكلمت به هذه القبائل من لغةٍ ـ نثراً أو شعراً ـ ينبغي اتخاذها أصلا للقياس، ومصدراً للغة الفصحى، وأما ما عداها من القبائل التي جاورت الأمم الأخرى، واختلطت بها، وسكنت البراري، فإنَّ لغتها لا يحتج بها، ولا يصلح للقياس عليها البتة. وبناء على ذلك، فلا تؤخذ اللغة من لخم ولا من جذام لمجاورتها أهل مصر، ولا من قضاعة، أو غسان، أو إي اد لمجاورتها أهل الشام، ولا من تغلب، أو بكر لمجاورتها النبط والفرس الخ..(19)
القرآن الكريم في بعض قراءاتــه
ليس صحيحاً ما يشاع عن مدرسة البصرة من عدم احتجاجها بالقرآن الكريم، وعدم اتخاذها قراءاتها ـ جملةً وتفصيلاً ـ أصلاً من أصول القياس، ولكن الصحيح أنَّ استقراء هذه المدرسة لقراءات القرآن الكريم المتعددة كان ناقصاً نقصاً واضحاً، مما جعل عدداً من الناس يخيَّل إليهم أنهم لا يعتمدون القرآن الكريم أساساً للتقعيد والتأصيل، بل الأسوأ من ذلك أنَّ كثيرا من رجالات هذه المدرسة ربطوا الاحتجاج بالقراءات القرآنية بموافقتها شعراً أو كلاما من أشعار وكلام القبائل البدوية السالف ذكرها، فإذا لـم يكن للقراءة شاهدٌ من شعر شاعرٍ جاهلي أو كلامٍ منسوبٍ إلى أولئك القبائل المتعمقة في التبدي لا يلفت إليها، ولا يحتج بها البتة، بل لا يشك في ضعفها وشذوذها بغض النظر عن سندها الذي قد يكون متواتراً أو مستفيضاً عند القراء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ع الناصرلقاح

ع الناصرلقاح


عدد المساهمات : 89
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
العمر : 63
الموقع : http://nassjay.activebb.net/portal.htm

قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1   قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 I_icon_minitime15/1/2010, 21:19

هذا مقال جيد على هنات كثيرة
منها أن مشكل أهل ابصرة استشهادهم الكثير بالقرآن الكريم بخلاف ما ورد بالمقال
-لم تكن قريش على الإطلاق فصيحة ..كان يها فصيح وحيد وأوحد هو سيدنا محمد
-ما تكون لغة ألفاظ عجمية حتى تكون قوية ومن غيرها تغدو بئيسة كحال لغتنا العربية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://nassjay.activebb.net/portal.htm
الترفاس رشيد

الترفاس رشيد


عدد المساهمات : 508
تاريخ التسجيل : 17/12/2009
الموقع : الريصاني

قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1   قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 I_icon_minitime15/1/2010, 21:33

نعم أستاذنا أفصح واحد في قريش هو محمد صلى الله عليه وسلم
لكني وقفت في هذه اللحظة لكلام للفرابي في كتابه الألفاظ والحروف وفيه:
كانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعا وأبينها إبانة عما في النفس
نقلا عن كتاب المدخل على علم النحو والصرف ص117
فهل المقصود من هذا الكلام الانتقاء فقط، ولا شك أنه غير الفصاحة ؟
بمعنى أن قريشا تحسن الانتقاء لا أنها فصيحة بذاتها,
والذي ربما يؤيد هذا الكلام أن صاحب الكتاب المذكور وهو الدكتور عبد العزيز عتيق قال في كلام له:
وكانت قريش أجود العرب انتقاء للأفصح ... ثم قال:
وقد أتيحت لقريش الفرص إلى ذلك حيث كان كان وفود العرب يفدون إلى مكة للحج ويتحاكمون إلى قريش، فكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغتها تتخير من كلام الوفود وأشعارهم أحسن لغاتهم زأصفى كلامهم وأفصح ألفاظهم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ع الناصرلقاح

ع الناصرلقاح


عدد المساهمات : 89
تاريخ التسجيل : 21/12/2009
العمر : 63
الموقع : http://nassjay.activebb.net/portal.htm

قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1   قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1 I_icon_minitime21/1/2010, 22:22

ثمة أمران أيها العزيز رشيد:
1- عبد العزيز عتيق ليس ممن يمحصون أو ينتقدون أو يبذلون الجهود للتأكد من مسائل العلم. فهو على العموم داخل في زمرة المدرسيين.
2-الفارابي يعتد به في فلسفة ولا يعتد به في أمر اللغة ..وكتابه الألفاظ وكتابه العبارة وهلم جرا..كتب مترعة بغلطات لغوية غير مسموح بها لمتكلم عربي.
سأعود ذات يوم لهذا الموضوع إن سمح منتداكم بالطبع لكن ليس خلال هذه الأيام.
شكرا جزيلا أيها العزيز.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://nassjay.activebb.net/portal.htm
 
قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قراءة في مصادر التقعيد النحوي وجهة نظر أصولية الجزء 2
» مصادر السيرة النبوية
» قراءة لمختصر صحيح مسلم
» قراءة في كتاب نظرية المقاصد للدكتور نبيل أبو عامر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الدراسات الإسلامية :: منتدى النحو والصرف-
انتقل الى: