منهج الإمام الشافعي في مسنده
التعريف بالإمام الشافعي:
هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السايب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي, الإمام أبو عبد الله الشافعي المكي الفقيه المطلبي نسيب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولد سنة خمسين ومائة بغزة, وقيل باليمن, وقيل بعسقلان. وغزة أصحّ, وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين فنشأ بها وأقبل على الأدب والعربية والشعر, فبرع في ذلك، وحبب إليه الرمي حتى فاق الأقران وصار يصيب من العشرة تسعة، ثم كتب العلم، لقي جدُّه (شافع) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع, وكان أبوه السائب صاحب راية بني هاشم يوم بدر فأسر وفدى نفسه ثم أسلم فقيل له لمَ لمْ تُسلِم قبل أن تفدي نفسك؟ قال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعاً لهم فيَّ.
شيوخه:
مسلم بن خالد الزنجي فقيه مكة, وداود بن عبد الرحمن العطار, وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون, وعمه محمد بن علي بن شافع, ومالك بن أنس وعرض عليه الموطأ حفظاً, وعطاف بن خالد, وسفيان بن عيينة, وابرهيم بن سعد, وإبرهيم بن أبي يحيى الأسلمي الفقيه, وإسماعيل بن جعفر, وعبد الرحمن ابن أبي بكر المليكي, وعبدالعزيز الدراوردي, ومحمد بن علي الجندي, ومحمد بن الحسن الفقيه, وإسماعيل بن علية, ومطرف بن مازن قاضي صنعاء, وخلق سواهم.
تلاميذه:
الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب " الحيدة "، وحسين بن علي الكرابيسي، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، والحسن بن محمد الزعفراني، وأحمد بن محمد الأزرقي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن أبي شريح الرازي، وأحمد بن يحيى بن وزير المصري، وأحمد بن عبدالرحمن الوهبي، وابن عمه إبراهيم بن محمد الشافعي، وإسحاق بن راهويه, وأمم سواهم.
مناقبه وثناء العلماء عليه:
قال ابن عبد الحكم: لما حملت به أمه رأت كان المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شطية فتأول المعتبرون أنه يخرج منها عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفرق في ساير البلدان، وقال الشافعي: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وقرأت الموطأ وأنا ابن عشر سنين.
وقال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل بمكة: تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فأقامني على الشافعي.
وقال أبو ثور: ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى (هو) مثل نفسه.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يا أبه أي رجل كان الشافعي فإني سمعتك تكثر الدعاء له؟ فقال: يا بني كان الشافعي للدنيا كالشمس وكالعافية للناس. فهل رأيت لهذين من خلف أو منهما عوض.
وقال حرملة: سمعت الشافعي يقول سميت ببغداد ناصر الحديث.
وقال أبو زرعة: ما عند الشافعي حديث فيه غلط.
وقال أبو حاتم: صدوق.
وقال الشافعي: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وقال: إذا صح الحديث فأضربوا بقولي الحايط، وقال الربيع: سمعته يقول أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقل به.
وقال: لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء.
وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ : مناقب الشافعي لا يحتملها هذ المختصر فدونكها في تاريخ دمشق وفي (تاريخ الاسلام) لى وكان حافظا للحديث بصيراً بعلله لا يقبل منه إلا ما ثبت عنده، ولو طال عمره لازداد منه.
مصنفاته:
ذُكرت للإمام الشافعي -رحمه الله- العديد من التآليف, منها على سبيل المثال:
إثبات النبوة والرد على البراهمة- أحكام القرآن- اختلاف الحديث- الإملاء الصغير- تعظيم قدر الصلاة- التنقيح في علم القيافة- الأم في الفقه- الرسالة في أصول الفقه- إبطال الاستحسان-المبسوط, وغيرها.
وفاته:
مات الإمام الشافعي يوم الخميس, وقيل يوم الجمعة وانصرف الناس من جنازته ليلة الجمعة, فرأوا هلال شعبان سنة أربع ومائتين -رحمه الله- ورضي عنه, وله ثمان وخمسون سنة، وقال ابن أبي حاتم: ثنا الربيع حدثني أبو الليث الخفاف -وكان معدَّلاً- حدثني العزيزي -وكان متعبداً- قال: رأيت ليلة مات الشافعي كأنه يقال لي: مات النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة فأصبحت, فقيل: مات الشافعي رحمه الله.
مراجع الفقرة: وفيات الأعيان لابن خلكان تحقيق إحسان عباس (4/163-164), تذكرة الحفاظ (1/361-363), سير أعلام النبلاء (10/5-100).
وصف الكتاب ومنهجه :
فمسند الإمام المعظم والمجتهد المقدم أبي عبد اللًّه محمد بن إدريس الشافعي رضي اللًّه عنه من أرفع المسانيد شأناً وأعظمها نفعاً لمن يريد أن يطلع على وجوه التدليل على مذهب هذا الإمام الجليل لأنه حوى معظم ما استند إليه هذا الإمام من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام.
ومسند الشافعي هذا يحتوي على أحاديث سمعها أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم المتوفى سنة 346 هـ من الربيع بن سليمان المرادي المؤذن المتوفى سنة 270 هـ في ضمن كتب الأم وغيرها التي سمعها مباشرة من الإمام الشافعي رضي اللَّه عنه, غير أحاديث معروفة سمعها بواسطة البويطي.
ومن يتأمل الكتاب يبدو له بوضوح أن هذا الكتاب ليس من صنع الشافعي رحمه الله ، وإنما هو تجميع لمروياته التي سمعها منه الربيع بن سليمان ، مع إضافة مرويات أخرى له من غير طريق الشافعي. قال الحافظ ابن حجر في تعريفه بهذا الكتاب : " مسند الشافعي رحمه الله تعالى وهو : عبارة عن الأحاديث التي وقعت في مسموع أبي العباس الأصم ، على الربيع بن سليمان من ( كتاب الأم ) ، و ( المبسوط ) ، التقطها بعض النيسابوريين من الأبواب ".
وقال الكتاني في الرسالة المستطرفة: " وليس هو من تصنيفه ، وإنما هو عبارة عن الأحاديث التي أسندها ؛ مرفوعها موقوفها ، ووقعت في مسموع أبي العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأصم الأموي ، مولاهم المعقلي النيسابوري ، عن الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم ، المؤذن المصري صاحب الشافعي وراوية كتبه ، من كتابي ( الأم ) و ( المبسوط ) للشافعي ، إلا أربعة أحاديث رواها الربيع عن البويطي عن الشافعي ، التقطها بعض النيسابوريين ؛ وهو : أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر المطري العدل النيسابوري الحافظ ، من شيوخ الحاكم ، من الأبواب لأبي العباس الأصم المذكور لحصول الرواية له بها عن الربيع.
وقيل: جمعها الأصم لنفسه ، فسمي ذلك مسند الشافعي ، ولم يرتبه ؛ فلذا وقع التكرار فيه في غيرما موضع "
ويقول الكوثري:
" ومدوِّن تلك الأحاديث بأسانيدها في ذلك السفر المعروف "بمسند الإمام الشافعي" هو: أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر النيسابوري المتوفى سنة 360 هـ صاحب الأصمّ.
وكان جمعه لتلك الأحاديث في ذلك السفر لشيخه بطلبه, وقيل: إنه جمعه كان لنفسه لا لشيخه, ويقال إن الجامع هو: الأصمّ نفسه, والله أعلم.
وعلى كل تقدير: فإن أحاديث ذلك المسند من مسموعات ابن مطر من الأصم, ضمن سماعه لكتب الأم منه, كما سمعها هو من الربيع, وهو سمعها من الشافعي رضي اللَّه عن الجميع, ويكني بعض أهل العلم ابن مطر أبا جعفر, واللَّه أعلم.
فمسند الشافعي سواء كان جمعه تحت إشراف الأصمّ, أومن غير إشرافه عليه؛ غير مرتب على الشيوخ ولا على الأبواب, ولذا قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: " ولم يرتِّب الذي جمعَ حديث الشافعي أحاديثه لا على المسانيد ولا على الأبواب, وهو قصورٌ شديد, فإنه اكتفى بالتقاطها من كتب الأم وغيرها كيف ما أتفق, ولذلك وقع فيها تكرارٌ في كثير من المواضع " اهـ.
ولذا ترى في المسند سرد أحاديثه تحت عناوين إمّا غير دالّة على أبواب الفقه اكتفاءً بمجرد ذكر مصادرها من الكتب نحو من "كتاب اختلاف مالك والشافعي" ومن كتاب "الرسالة" ومن كتاب "إبطال الاستحسان" ومن كتاب "أحكام القرآن" ومن كتاب "سير الواقدي" ومن كتاب "جماع العلم" ومن كتاب "اختلاف علي وعبد اللَّه" , وتلك عناوين لا تدلّ على نوع معاني الأحاديث المدوّنة تحتها, وإما دالة على أبواب من الفقه, لكن لا دقَّة في توزيع الأحاديثِ عليها ولا في جمعِها في أبوابها.
وكان هذا المسند الجليل ينقصه حسن التبويب فيحول ذلك دون استثمار فوائده بأيسر نظرة.
والواقع أن أهل العلم قصروا في خدمة هذا المسند الجليل المحتوي لجلِّ أحاديث الإمام الشافعي إلى أن قيَّض اللَّه لخدمته المحدِّث السندي القائم بخدمة السنة وإقراء الكتب الستة في المدينة المنورة في القرن السابق الشيخ محمد عابد السندي المتوفى سنة 1257 هـ, فإنه عني بترتيب مسند الإمام الشافعي وتهذيبه أنفع ترتيب وأمتع تهذيب.
وله ـ أي السِّندي-: "حصر الشارد من أسانيد محمد عابد" من أنفع وأوسع الأثبات المؤلفة في القرن الهجري السابق, يقول فيه عند ذكر مسند الشافعي: " التقطه بعض النيسابوريين - وهو أبو جعفر محمد بن جعفر بن مطر من الأبواب, ويُقال: بل جرَدَ أحاديث كتب الأم أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر لأبي العباس الأصم, وقيل: بل جرَّدها الأصمّ لنفسه ولم يرتّب الذي جمع أحاديثه على المسانيد ولا على الأبواب؛ بل اكتفى كيف ما أتفق, فلذلك وقع فيها تكرار في كثير من المواضع, وقد وفقني اللَّه فرتبته على الأبواب الفقهية, وحذفت منه ما كان مكرراً لفظاً ومعنى ووقع إتمامه سنة 1230 هـ , ثم شرحتُ نصفاً منه وأسأل اللَّه الاتمام " اهـ.
اشتمل هذا الكتاب على ( 1819 ) نصّاً حسب طبعة المحقق: ماهر الفحل, رُتِّبت على الأبواب الفقهية:
بدأَت بباب ما خرج من كتاب الوضوء ، وانتهت بـ " ومن كتاب اختلاف علي وعبد الله مما لم يسمع الربيع من الشافعي ".
من معالم منهج الكتاب وفوائده:
أكثر الإمام الشافعي من الرواية عن شيخه مالك بن أنس, فقد أخرج له في هذا المسند (553) حديثاً.
انفرد الإمام الشافعي بـ: (128) حديثاً, لم توجد عند غيره.
حوى مسند الشافعي على الكلام في العلل, والجرح والتعديل, وتفاوت الرواة.
الاهتمام بالألفاظ واختلافاتها بين الرواة.
الاهتمام بالزيادات وبيان الألفاظ الزائدة ومَن زادها.
اهتم الشافعي كثيراً بالنقل عن شيخه مالك في كثير من الفوائد.
كما احتوى على توثيق كثير من الرواة.
وجود أحاديث يرويها الشافعي عن مالك لا وجود لها في كثير من روايات الموطأ المتأخرة.
كما أن هذا المسند أحد الموارد المهمة في القراءات القرآنية.
اهتمام الشافعي ببيان الروايات واختلافها.
كما ذكر تفسير بعض المفردات ضمن الحديث.
وهو أيضاً يعتبر من المراجع الرئيسة في الأسانيد العالية.
كما أنه يستخدم الإبهام في كثير من مشايخه.
مراجع الفقرة: مقدمة زاهد الكوثري لمسند الشافعي بترتيب السندي, المعجم المفهرس ص: ( 39 ), الرسالة المستطرفة ص: ( 13 ), مقدمة: ماهر الفحل لتحقيقه لمسند الإمام الشافعي.
اهتمام أهل العلم بمسند الشافعي:
اهتم أهل العلم بسماعه وإسماعه اهتماما شديداً: يتضح ذلك من خلال كتب التراجم التي بين أيدينا والتي ذكرت لنا أكثر من ( 150 ) اسماً ممّن سمعوا هذا الكتاب على شيوخهم نكتفي بالإحالة على المواضع التالية منها كنماذج لذلك:
أ - التقييد لابن نقطة ( ص : 53 و56 و123 و207 و270 و295 و331 و . . . )
ب - ذيل التقييد للفاسي ( 1 / 46 و49 و61 و71 و87 و . . . ) .
ج - سير أعلام النبلاء للذهبي ( 7 / 142 و17/357 و19/72 و248 و . . . )
ما لحقه من أعمال:
- رتَّبه: الأمير: سنجر بن عبد الله علم الدين الجاولي المتوفى: سنة 745 وهو مطبوع, وشرحه: في مجلدات.
- وشرحه: أبو السعادات: المبارك بن محمد المعروف: بابن الأثير الجزري المتوفى: سنة 606, وسماه: ( كتاب شافي العي في شرح مسند الشافعي ) في خمس مجلدات. وقد طبع قريباً عن دار الرشد.
- وانتخبه: الشيخ زين الدين: عمر بن أحمد الشماع الحلبي, وسمّاه: ( المنتخب المرضي من مسند الشافعي ).
- وجمع مسنده: أبو عبد الله: محمد بن يعقوب بن يوسف الأصم الشافعي المتوفى: سنة 346
- وشرحه: الإمام أبو القاسم: عبد الكريم بن محمد القزويني الرافعي المتوفى: سنة 623 , عقيب
( الشرح الكبير ) , وابتدأ في: رجب سنة 612 ، في مجلدين. وقد طبعته وزارة الأوقاف القطرية, في أربعة مجلدات.
- وجمع الحافظ ابن حجر أطرافه في كتابه: ( إتحاف المهرة.. ), المتوفى: سنة 852
- وصنَّف السيوطي كتاباً سمّاه أيضا: ( الشافي العي على مسند الشافعي ) المتوفى: سنة 911
- وشرحه من المتأخرين: الحافظ محمد عابد السندي وسمّاه: " مصعد الألمعي المهذّب في حلّ مسند الإمام الشافعي المرتّب ", وقد أفاد البعض بوجوده في المكتبة المحمودية بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة.
اسم الكتاب وأشهر طبعاته:
1 - طبع باسم:
"مسند الشافعي"
برواية أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم ، عن الربيع بن سليمان ، طبع في: الهند سنة 1306هـ.
وفي شركة المطبوعات العلمية بالقاهرة ، سنة 1327هـ.
وفي مطبعة بولاق بالقاهرة ، سنة 1328هـ.
وفي دار الكتب العلمية ببيروت ، بدون تحقيق ، سنة 1400هـ.
وطبع باسم: "شفاء العي .." تأليف: مجدي بن محمد المصري, وتقديم الشيخ: مقبل الوادعي في مجلدين. مرتباً على الأبواب بترتيب السندي.
وطبع باسم: "مسند الشافعي" عن دار علوم القرآن بتحقيق: خليل ملا خاطر/ في مجلدين سنة 1409
وكذلك بتحقيق: ماهر ياسين الفحل. عن دار غراس/ في مجلد سنة 1425
وأخيراً: بتحقيق: رفعت فوزي عبد المطلب في ثلاث مجلدات كبار عن دار البشائر/ سنة 1426
والطبعتان الأخيرتان بترتيب الأمير: سنجر.
2 - طبع باسم:
"بدائع المنن في ترتيب مسند الشافعي والسنن"
ترتيب أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتي , صدر عن المطبعة المنيرية , ومطبعة الأنوار بالقاهرة , سنة 1369 .
3 - طبع باسم:
"مجتهد ومقدم ترتيب مسند الإمام المعظم محمد بن إدريس الشافعي"
رواية أبي بكر أحمد بن الحسن الحيري ، ترتيب محمد عابد السندي ، صدر عن مكتبة الثقافة الإسلامية بالقاهرة ، سنة 1369ه .
4 - طبع باسم:
"ترتيب مسند الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي"
رتَّبه محمد عابد السندي ، وصورته دار الكتب العلمية عن أصله المطبوع سنة 1370هـ.