ترجمة الإمام أحمد بن حنبل:
اسمه ونسبه ونشأته:
هو :أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي، ثم البغدادي.
خرج به من مرو حمْلاً، وولد ببغداد، ونشأ بها، ومات بها، وطاف البلاد في طلب العلم، ودخل الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، الشام، الجزيرة.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ولدت في سنة أربع وستين ومائة في أولها في ربيع الأول.
قال: وجيء به حملا من مرو، وتوفي أبوه محمد بن حنبل وله ثلاثون سنة، فوليته أمه يعني كان سن أبيه حين توفي ثلاثين سنة وأما أحمد، فكان طفلاً حين توفي أبوه، ولذلك وليته أمه.
شيوخه:
بشر بن المفضل, وإسماعيل بن علية, وسفيان ابن عيينة, وجرير بن عبدالحميد, ويحيى بن سعيد القطان, وأبي داود الطيالسي, وعبد الله ابن نمير, وعبد الرزاق الصنعاني, وعلي بن عياش الحمصي, والشافعي, وغندر, ومعتمر بن سليمان, وجماعة كثيرين.
تلاميذه:
البخاري, ومسلم, وأبو داود, وأسود ابن عامر شاذان, وابن مهدي, والشافعي, وأبو الوليد, وعبد الرزاق, ووكيع, ويحيى بن آدم, ويزيد بن هاورن - وهم من شيوخه -, وقتيبة, وداود بن عمرو, وخلف بن هشام - وهم أكبر منه -, وأحمد بن أبي الحواري, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني, والحسين منصور, وزياد ابن أيوب, ودحيم, وأبو قدامة السرخسي محمد بن رافع, ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة - وهؤلاء من أقرانه - وابناه: عبدالله, وصالح, وتلامذته: أبو بكر الأثرم, وحرب الكرماني, وبقي بن مخلد, وحنبل بن اسحاق, وشاهين بن السميدع, والميموني, وغيرهم, وآخر من حدث عنه أبو القاسم البغوي.
مناقبه وصفاته وثناء العلماء عليه:
قال أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري: طلبتُ أحمد بن محمد بن حنبل لأسأله عن مسألة، فجلست على باب الدار حتى جاء، فقمت فسلمت عليه، فردّ علي السلام، وكان شيخا مخضوباً طوالاً أسمر، شديد السمرة.
وقال محمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلا حسن الوجه، رَبعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيض، ورأيته معتمّاً وعليه إزار.
قال عبدالله: وخضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.
وقال أبو يعقوب يوسف بن عبدالله الخوارزمي: سمعت حرملة ابن يحيى يقول: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أفقه ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم من أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن عبدوس بن كامل عن شجاع بن مخلد: كنت عند أبي الوليد الطيالسي فورَدَ عليه كتاب أحمد بن حنبل، فسمعته يقول: ما بالمِصْرَين - يعني البصرة والكوفة - أحد أحب إلي من أحمد ابن حنبل، ولا أرفع قدراً في نفسي منه.
وقال أبو بكر الجارودي، عن أحمد بن الحسن الترمذي: سمعت الحسن بن الربيع يقول: ما شبّهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته.
قال الحارث بن عباس: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة أمر دينها ؟ قال: لا أعلمه إلا شابّ في ناحية المشرق يعني: أحمد بن حنبل.
وقال أحمد بن سلمة النيسابوري: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف يعني ابن سالم وأصحابنا، وكنّا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا، وطريق كذا ، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماعٍ منّا ؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره ؟ ما مرادُه ؟ ما فقهه ؟ فيبقَون كلهم إلا أحمد بن حنبل، فإنه يتكلّم بكلام له قويّ.
وقال عبدالله سمعت أبي يقول:... وحججتُ خمس حجج منها ثلاث حجج راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلّي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط، أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سبعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كلّ سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلّي ويدعو.
مؤلفاته:
للإمام أحمد رحمه الله العديد من المؤلفات منها:
تفسير القرآن. طاعة الرسول. كتاب الأشربة الصغير. كتاب الأيمان. كتاب الرد على الجهمية. كتاب الزهد. كتاب العلل في الحديث. كتاب الفرائض. كتاب فضائل الصحابة. كتاب المسند. كتاب المناسك. كتاب مناقب الإمام علي ابن أبي طالب. كتاب الناسخ والمنسوخ من القرآن.
محنته:
ودُعي إلى القول بخلق القرآن أيام المعتصم, فقال أحمد: أنا رجل علمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا، فأحضر له الفقهاء والقضاة فناظروه... فلم يجب، فضُرب وحبس وهو مصرٌّ على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة عشرين ومائتين, وكانت مدة حبسه إلى أن خلِّي عنه ثمانية وعشرين يوماً, وبقي إلى أن مات المعتصم, فلما ولي الواثق منَعَه من الخروج من داره إلى أن أخرجَه المتوكّل, وخلَع عليه وأكرمه, ورفع المحنة في خلق القرآن.
قال أبو عوانة الاسفراييني، عن أبي الحسن الميموني: قال لي علي بن المديني بالبصرة قبل أن يمتحن عليّ, وبعد ما امتُحن أحمد بن حنبل وضرب وحبس وأُخرج: يا ميموني، ما قام أحدٌ في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل, فتعجبت من هذا عجبا شديداً، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه, وقد قام في الردّة وأمر الإسلام ما قام به، قال الميموني: فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام، فتعجبت إليه من قول عليّ، قال: فقال لي أبو عبيد مجيباً: إذاً يخصمك ! قلت: بأي شيء يا أبا عبيد، وذكرت له أمر أبي بكر، قال: إنّ أبا بكر وجد أنصارا وأعواناً, وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً، وأقبل أبو عبيد يُطري أبا عبدالله ويقول: لستُ أعلم في الإسلام مثلَه.
وفاته:
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: توفي أبي رحمه الله يوم الجمعة ضحوة ودفنّاه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وصلى عليه محمد بن عبدالله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنّا صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار، وكان له ثمان وسبعون سنة.
وقال أبو محمد عبدالله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي، عن بنان ابن أحمد بن أبي خالد القصباني: حضرت الصلاة على جنازة أحمد ابن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكان الإمام عليه محمد بن عبدالله بن طاهر، فأخرجت جنازة أحمد بن حنبل، فوضعت في صحراء أبي قيراط، وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق، فلما انقضت الصلاة، قال محمد بن عبدالله بن طاهر: انظروا كم صلى عليه ورائي، قال: فنظروا فكانوا ثمان مئة ألف رجل، وستين ألف امرأة، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة العصر فكانوا نيفا وعشرين ألف رجل.
وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي: حدثني أبو بكر محمد ابن عباس المكي، قال: سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل قال: أسلمَ يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود والنصاري والمجوس.
مراجع الفقرة: تهذيب الكمال (1/427), الوافي بالوفيات (5/162-165), هدية العارفين في أسماء المؤلفين (1/48) دار العلوم الحديثة.
مسند الإمام أحمد بن حنبل وترتيبه:
إن من أعظم المسانيد قدراً وأكثرها نفعاً: "مسند الإمام أحمد"، فقد شهد له المحدثون قديماً وحديثاً بأنه أجمع كتب السنة، وأوعاها، لما يحتاج إليه المسلم في دينه ودنياه، قال ابن كثير: لا يوازي "مسند أحمد" كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته.
شرع الإمام أحمد بتصنيف المسند منصرفه من عند عبد الرزاق, أي نحو سنة (200)هـ, وهو في السادسة والثلاثين من عمره, انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف حديث, يرويها عن مائتين وثمانين شيخاً من شيوخه. قال حنبل: جمعنا أبي أنا، وصالح، وعبد الله، فقرأ علينا المسند وما سمعه غيرنا، وقال: هذا الكتاب جمعته من أكثر من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بحجة. اهـ. لكن قال الذهبي: هذا القول منه على غالب الأمر وإلا فلنا أحاديث قوية في "الصحيحين" و"السنن" والأجزاء ما هي في المسند. اهـ.
وكان قد كتبه -أي المسند- في أوراق مفردة, وفرّقه في أجزاء منفردة على نحو ما تكون الموّدة, ورواه لولده عبد الله نسخاً وأجزاءً, وكان يأمره: أن ضع هذا في مسند فلان, وهذا في مسند فلان, وظلّ ينظر فيه إلى آخر حياته.
وكان يقول لابنه: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماماً.
وكان ابنه عبد الله هو الذي انفرد برواية المسند عن أبيه وزاد فيه أحاديث, ولكنه لم يحرر ترتيب المسند ولا سهّله ولا هذّبه, بل أبقاه على حاله, ثم روى المسند عنه أبو بكر القطيعي.
المسند : وجمعه " المسانيد " وهو الكتاب الذي جمع فيه مؤلفه مرويات كل صحابي على حدة ، كأن يجمع مثلا أحاديث أبي بكر تحت اسمه ، وأحاديث أبي هريرة كلها تحت عنوان اسمه وهكذا ، من غير تفريق بين صحيح وضعيف.
وأول من ألّف على هذا المنهج هو الإمام أبو داوود الطيالسي ، وأعظم ما أُلف فيه هو مسند الإمام أحمد بن حنبل رحمهم الله أجمعين.
وهذا الكتاب المستطاب يشتمل على ثمانية عشر مسنداً:
المسند الأول: مسند العشرة المبشرين بالجنة, الثاني: مسند أهل البيت, الثالث: مسند ابن مسعود, الرابع: مسند ابن عمر, الخامس: مسند عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي رمثة, السادس: مسند العباس وأبنائه الكرام, السابع: مسند عبد الله بن عباس, الثامن: مسند أبي هريرة, التاسع: مسند أنس بن مالك خادم رسول الله , العاشر: مسند أبي سعيد الخدري, الحادي عشر: مسند جابر بن عبد الله الأنصاري, الثاني عشر: مسند المكيين, الثالث عشر: مسند المدنيين, الرابع عشر: مسند الكوفيين, الخامس عشر: مسند البصريين, السادس عشر: مسند الشاميين, السابع عشر: مسند الأنصار, الثامن عشر: مسند عائشة مع مسند النساء.
مراجع الفقرة: مقدمة تحقيق المسند لشعيب الأرنؤوط (1/56-59), بستان المحدثين للدهلوي ص (48-49).
منهجه:
أراد المؤلف رحمه الله تعالى أن يجمع كتابًا فيه مرويات الصحابة بحيث يذكر تحت كل صحابي أحاديثه التي رواها عن النبي, فانتقى مادة هذا الكتاب من سبع مائة ألف حديث سمعها من شيوخه، فبلغت النصوص التي انتقاها نحو من ثلاثين ألف حديث، وقد انتهج في صياغتها المنهج التالي:
1 - جمع مرويات الصحابة المخرج لهم في المسند، ورتبها كالآتي:
2 - يخرج النص الواحد بعدة أسانيد في أماكن متفرقة من مرويات صاحب الباب.
3 - ربما أدخل مرويات صحابي في مرويات صحابي آخر.
4 - لا يوجد ترتيب معين للنصوص المذكورة تحت كل صحابي، ولا يوجد ترابط من أي نوع بين هذه النصوص، بل كل نص يعتبر وحدة بذاته.
عدد أحاديث المسند:
قال الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه " فيه أربعون ألف حديث إلا أربعين أو ثلاثين " قال أبو عبد الله الأسدي " هكذا سمعته من القطيعي لما سمعته منه " وعن ابن المنادي " أن فيه ثلاثين ألف حديث "
ولعله أراد بإسقاط المكرر أو خاليا عن زيادة ابنه وقد ذكر ابن دحية في كلامه على أحاديث المعراج أن فيه أربعين ألفا بزيادات ابنه عبد الله وهو يجمع الأقوال.
قال في الرسالة المستطرفة: وقد اشتهر عند كثير من الناس أنه أربعون ألف حديث.
قال ( أبو موسى المديني ) : لم أزل أسمع ذلك من الناس حتى قرأته على ( أبي منصور بن زريق ) . اهـ
وكذا صرح بذلك الحافظ ( شمس الدين محمد بن علي الحسيني ) في ( التذكرة ) فقال : عدة أحاديثه أربعون ألفا بالمكرر.
مراجع الفقرة: النكت على ابن الصلاح الزركشي (1/365-366), الرسالة المستطرفة دار البشائر ص (13)
آراء العلماء في أحاديث المسند:
للعلماء في أحاديث المسند ثلاثة آراء:
الأول - أن جميع ما فيه من الأحاديث حجة.
الثاني - أن فيه الصحيح والضعيف والموضوع، وقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" تسعة وعشرين حديثاً منه، وزاد العراقي عليها تسعة أحاديث، وجمعها في جزء.
الثالث - أن فيه الصحيح والضعيف الذي يقرب من الحسن، وليس فيه موضوع، وقد ذهب إلى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والذهبي والحافظ ابن حجر والسيوطي، وقال شيخ الإسلام: شرط أحمد في "المسند" أقوى من شرط أبي داود في "سننه"، وقد روى أبو داود عن رجال أعرض عنهم في "المسند"، وقد شرط أحمد في "المسند" أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، ثم زاد عليه ابنه عبد الله وأبو بكر القطيعي زيادات، ضمت إليه، وفيها كثير من الأحاديث الموضوعة فظن من لا علم عنده أن ذلك من رواية أحمد في مسنده . اهـ
وبما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله يتبين أنه يمكن التوفيق بين الآراء الثلاثة، فمن قال: إن فيه الصحيح والضعيف، لا ينافي القول بأن جميع ما فيه حجة؛ لأن الضعيف إذا صار حسناً لغيره يكون حجة، ومن قال: إن فيه الموضوع حمل على ما في زيادات عبد الله وأبي بكر القطيعي.
وقد صنف الحافظ ابن حجر كتاباً سماه: "القول المسدد في الذب عن المسند" ذكر فيه الأحاديث التي حكم العراقي عليها بالوضع، وأضاف إليها خمسة عشر حديثاً، مما ذكره ابن الجوزي ثم أجاب عنها حديثاً حديثاً، وعقب السيوطي عليه بما فاته مما ذكره ابن الجوزي، وهي أربعة عشر حديثاً في جزء سماه: "الذيل الممهد.
وقال السيوطي: اعْتُرض على التمثيل «بمسند» أحمد بأنَّه شرط في «مسنده» الصَّحيح.
قال العِرَاقي: ولا نُسَلِّم ذلك, والَّذي رواه عنه أبو موسى المَديني: أنَّه سُئلَ عن حديث فقال: انظرُوه, فإن كان في «المسند» وإلاَّ فليسَ بحجَّة, فهذا ليس بصريح في أنَّ كل ما فيه حُجَّة, بل ما ليس فيه ليس بحجَّة... قال: وأمَّا وجُود الضَّعيف فيه فهو مُحقق, بل فيه أحاديث موضُوعة جمعتُها في جُزء, ولعبد الله ابنه فيه زيادات, فيها الضَّعيف والموضُوع. انتهى...
وقال شيخ الإسلام ابن حجر في كتابه «تعجيل المنفعة في رجال الأربعة»: ليس في «المسند» حديث لا أصل له, إلاَّ ثلاثة أحاديث أو أربعة, منها: حديث عبد الرَّحمن ابن عوف أنَّه يدخل الجنَّة زحفًا.
قال: والاعتذار عنهُ, أنَّه مِمَّا أمر أحمد بالضَّرب عليه, فتُركَ سهوًا, أو ضُرب وكتب من تحت الضَّرب.
وقال في كتابه «تجريد زوائد مُسند البزَّار»: إذا كان الحديث في «مسند» أحمد لم نَعْزُه إلى غيره من المسانيد.
وقال الهيثمي في «زوائد المسند»: «مسند» أحمد أصح صحيحًا من غيره.
وقال ابن كثير: لا يُوازي «مسند» أحمد كتاب مسند في كثرته وحُسْن سياقاته, وقد فاتهُ أحاديث كثيرة جدًّا, بل قيل: إنَّه لم يقع له جماعة من الصحابة الذين في «الصَّحيحين» قريبًا من مئتين.... قال العِرَاقيُّ: ولا يلزم من ذلك أن يكون جميع ما فيه صحيحًا, بل هو أمثله بالنسبة لما تركه, وفيه الضَّعيف.
مراجع الفقرة: تدريب الراوي للسيوطي طبعة عبد الوهاب عبد اللطيف (1/172-173).
زيادات عبد الله بن أحمد والقطيعي:
يقول الدكتور: عامر حسن صبري في كتابه (زوائد عبد الله بن أحمد في المسند):
(( ذكرتُ فيه ما انفرد عبد الله عن أبيه من حديث بتمامه أو من حديث شاركه فيه, وفيه زيادة عنده, أو من طريق صحابي آخر غير الصحابي الذي روى له الإمام أحمد, وإن كان المتن واحداً.
فعلى هذا الاعتبار لم أجعل الأحاديث التي يرويها عبد الله عن أبيه وغيره من الزوائد, فإن هذه الأحاديث إنما يرويها عبد الله لفائدة: كعلوّ السند وغيره.. وهذا الذي تقرر عندي بعد البحث والاستقراء, وعليه كان عمل الأئمة المخرِّجين...
ثم يقول: وهذا الذي تقرّر عندي هو الذي ذهب إليه أيضاً الأستاذ: أحمد عبد الرحمن البنا -رحمه الله- فقد قال في مقدمة الفتح الرباني (1/19) ما فحواه:
بتتبعي لأحاديث المسند وجدتها تنقسم إلى ستة أقسام:
•1-قسم رواه أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه سماعاً منه وهو المسمّى بمسند الإمام أحمد, وهو كبير جداً يزيد على ثلاثة أرباع الكتاب, وهو الذي يقال في أول سنده: حدثنا عبد الله, حدثنا أبي...
•2-وقسم سمعه عبد الله من أبيه وغيره, وهو قليل جداً.
•3-وقسم رواه عبد الله عن غير أبيه, وهو المسمى عند المحدثين: بزوائد عبد الله. وهو كثير بالنسبة للأقسام كلها عدا القسم الأول.
•4-وقسم قرأه عبد الله على أبيه, ولم يسمعه منه, وهو قليل.
•5-وقسم لم يقرأه عبد الله على أبيه ولم يسمعه منه, ولكنه وجده في كتاب أبيه بخط يده, وهو قليل جداً.
•6-وقسم رواه الحافظ أبو بكر القطيعي عن غير عبد الله وأبيه, وهو أقل الجميع.
قال الشيخ أحمد البنا: وكل هذه الأقسام من المسند إلا الثالث فإنه من زوائد عبد الله, والسادس فإنه من زوائد القطيعي, والله أعلم.
قلت-والكلام للدكتور عامر صبري-: ولي ثلاث ملاحظات على ما قال الشيخ:
الملاحظة الأولى: قوله في القسم الثاني الذي سمعه عبد الله من أبيه وغيره: قليل جداً؛ غير مسلّم, فإن هذه الأحاديث تزيد على تسعمائة حديث.. فهي تزيد على الأحاديث التي انفرد بها عبد الله في زوائده.
الملاحظة الثانية: قوله في القسم السادس: وقسم رواه الحافظ أبو بكر القطيعي..
قلت: قد أثبت كثير من العلماء والحفاظ كابن تيمية والعراقي واللكنوي وغيرهم, وتبعهم صاحب الفتح الرباني: أن القطيعي زاد في المسند زيادات عن غير عبد الله, وهو غير مسلّم؛ فإنه قد تبيّن للعبد الفقير بعد تتبّع دقيق في المسند, وفي المسند المعتلي أنه لا يوجد للقطيعي أحاديث عن غير عبد الله سوى حديث واحد رواه في مسند أبي مسعود عقبة بن عامر الأنصاري...
الملاحظة الثالثة: يُضاف إلى الأقسام الستةالتي ذكرها: قسم سابع, وهو في الأحاديث التي رواها للإمام أحمد في غير مسنده, ثم نقلها عبد الله إلى المسند, وهو قليل جداً..))اهـ كلام الدكتور عامر صبري.
قلت: والقطيعي هو: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شعيب البغدادي القَطِيعي أبو بكر، واشتهر "بالقَطِيعي" و " بأبي بكر ابن مالك"، وربما نسبه بعضهم إلى جده فقال: أحمد بن شبيب، وحمدان لقب جده، واسمه: أحمد. ولد سنة (274) وتوفي سنة (368) ببغداد، ودفن في مقابر باب حرب قريباً من قبر الإمام أحمد، رحمة الله عليهما.
وفي مصنف مستقلّ للعلامة المحدّث الألباني رحمه الله سماه: الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد. انتهى فيه إلى عدم وجود زيادات للقطيعي البتة في المسند المطبوع.
قال الشيخ الألباني في كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ص (75) :
- (( تذييل واستدراك ):
وبعد انتهائي من تآليف هذه الرسالة بأكثر من عشرين سنة صدرت كتب علمية حديثية كثيرة والحمد لله لم تكن مطبوعة من قبل ، وقد تأكدت من بعضها صحة ما انتهيت إليه فيها من سلامة المسند المطبوع من الأحاديث الموضوعة من رواية القطيعي ....
وإن من تلك الكتب جامع المسانيد والسنن للحافظ ابن كثير بتعليق الدكتور القلعجي وإتحاف المهرة ... بتحقيق الدكتور زهير بن ناصر الناصر وغيره وأطراف مسند الإمام أحمد للحافظ ابن حجر أيضاً تحقيق الدكتور زهير أيضاً ...
وأهم من هذا كله أن هذا الدكتور الفاضل قال في مقدمته 1/61-62 :
(( وقد وقفت في أطراف المسند على أربعة أحاديث من زيادات القطيعي أنقلها هنا ثم ساقها وهي أربعة : من حديث أنس ، وأبي برزة الأسلمي ، وأبي مسعود الأنصاري ، وقد صدرها كلها بقوله لم أجده إلا الثالث منها وهو عن أبي مسعود الأنصاري بلفظ إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستح فاصنع ما شئت ...
ثم يقول الشيخ الألباني: والخلاصة أن في هذا التذييل فائدة كبرى تؤيد ما سبق تحقيقه من أنه لا يوجد في مسند الإمام أحمد غير حديث واحد من زيادات القطيعي ، وأنه لم يتفرَّد به كما سبق .... ))اهـ.
قلت: وهذا الحديث هو نفسه الحديث الذي أثبته الدكتور صبري في دراسته السابقة.
وانتهى الدكتور: دخيل بن صالح اللحيدان في بحث له في زوائد القطيعي إلى وجود أربعة أحاديث من زيادات القطيعي في المسند.
وقال: ويتبين من خلال دراسة هذه الزيادات أن إسناد الحديث الأول واه، فشيخ القَطِيعي فيه رموه بالكذب. وكذا إسناد الحديث الثاني حيث إن فيه راوياً رموه بالكذب، مع أن في إسناده اضطراب، والحديث الثالث صحيح، وأما الرابع فالذي يظهر أن القَطِيعي أخطأ في متنه فقلب المعنى...
قلت: وهذه الأحاديث على الترتيب هي:
•-عن أنس رضي الله عنه قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني المدينة- فلم يكن في أصحابه أَشْمط غير أبي بكر، وكان يُغَلِّفُها بالحِناء والكَتَم ".
•-عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ليس من البر الصيام في السفر".
•-عن أبي مسعود رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
•-عن عائشة رضي الله عنها قالت : فتلتُ القلائد لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم ".
مراجع الفقرة: (زوائد عبد الله بن أحمد في المسند) عامر صبري ص (115-120), الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد. للشيخ الألباني. مجلة الجامعة الإسلامية العدد (114) بحث بعنوان: زيادات القَطِيعي على مسند الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله دراسةً وتخريجاً. تأليف الدكتور: دخيل بن صالح اللحيدان
الأستاذ المساعد في قسم السنة وعلومها -كلية أصول الدين بالرياض/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
شروحه وما لحقه من أعمال:
أولاً: تقريبه وتيسير الاستفادة منه:
•1-ترتيب أسماء الصحابة الذين أخرج حديثهم أحمد بن حنبل في المسند, للحافظ ابن عساكر ت (571).
•2- ترتيب المسند, للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الله الصامت ت (789). وهو مرتب على معجم الصحابة.
•3-ترتيب مسند أحمد على حروف المعجم, لأبي بكر محمد بن عبد الله بن عمر المقدسي الحنبلي ت (820).
•4-الكواكب الدراري, لعلي بن الحسين بن عروة الحنبلي ت (837) وقد رتب مسند الإمام أحمد على أبواب صحيح البخاري.
•5-تهذيب المسند وترتيبه على الأبواب, للشيخ المحدث القاضي: شهاب الدين أحمد بن محمد الحنبلي الشهير بابن زريق ت (841).
•6-إطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي, للحافظ ابن حجر ت (852) وهو أطراف الأحاديث التي اشتمل عليها المسند.
•7-الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني, أحمد بن عبدالرحمن البنا، الشهير بالساعاتي, ورتبه على الأبواب ترتيباً حسناً، وأتمه بوضع شرح عليه سماه: بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني.
•8-وله فهرسان جيّدان :
الأول :المسمى بـ(مُرشد المحتار) من صنع وإعداد الشيخ: حمدي السلفي.
والثاني
المنهج الأسعد في ترتيب أحاديث مسند الإمام أحمد) لعبدالله ناصر الرحماني ، وهو في أربعة مجلدات ، وميزة هذا الكتاب أنه فهرس فيه ثلاث طبعات للمسند : الطبعة القديمة التي طبعت في ست مجلدات المطبوعة عام 1313هـ ، والطبعة التي حققها الشيخ أحمد شاكر ، والطبعة التي بترتيب الساعاتي (الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد ن حنبل الشيباني).
ثانياً: في التأليف حوله:
ومن مظاهر عناية العلماء بالمسند والاحتفاء به كثرة المؤلفات التي ألفها أهل العلم حوله, ومنها:
1- غريب الحديث, لأبي عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب ت (345), واختصره:
الشيخ الإمام سراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن الشافعي ت (805 ), وعليه تعليقة:
للسيوطي في إعرابه سماها ( عقود الزبرجد ).
2- خصائص المسند, للحافظ أبي موسى المديني ت (581).
3- المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد, لابن الجزري ت (833), وهو أيضاً في خصائص المسند.
4- تجريد ثلاثيات المسند, للإمام محمد الدين إسماعيل بن عمر المقدسي ت (613), وشرحها محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني ت (1188), وسمّاه: نفثات صدر المكمد وقرّة عين المسعد بشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد.
5- الإكمال في تراجم من له رواية في مسند الإمام أحمد ممن ممن ليس لهم ذكر في تهذيب الكمال, محمد بن السيد علي بن الحسين بن حمزة بن محمد الحسيني الشريف شمس لدين أبو المحاسن الدمشقي تلميذ الذهبي ت (765).
6- غاية المقصد في زوائد المسند, للحافظ نور الدين الهيثمي ت (807), وهي زوائد المسند على الستة, وقد رتبه على الأبواب.
7- الدفاع عن الأحاديث القليلة التي انتقدها الحفاظ وحكموا عليها بالوضع, وألف في ذلك الحافظ ابن حجر ت (852): القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد.
وعقب عليه السيوطي بـ: الذيل الممهّد.
وألف العلامة محمد صبغة الله المدراسي الهندي: ذيل القول المسدّد.
8- وقد شرح المسند: أبو الحسن بن عبد الهادي السندي ت (1139), وهي حاشية لطيفة نفيسة. واختصره: الشيخ زين الدين : عمر بن أحمد الشماع الحلبي, وسماه : الدر المنتقد من مسند أحمد.
مراجع الفقرة: مقدمة تحقيق المسند لشعيب الأرنؤوط (1/86-91), كشف الظنون حاجي خليفة (2/1680) دار العلوم الحديثة.
أهم طبعات الكتاب:
1 - طبع بالمطبعة الميمنية بالقاهرة، سنة 1307هـ، ثم أعيد طبعه 1313هـ، وعلى هامشه منتخب كنز العمال، وقد أصبحت هذه الطبعة بعد ذلك، بمثابة الأصل الذي ترجع إليه كل الطبعات، وعليها إحالات أهل العلم في كتبهم وتخاريجهم، وقد صورها المكتب الإسلامي ببيروت، سنة 1385هـ بعدما أضاف إلي أولها فهرس للصحابة المخرج لهم في المسند، صنعه الشيخ الألباني، كما صورتها أيضًا مؤسسة قرطبة بالقاهرة، ودار الراية بالرياض، سنة 1410هـ.
2 - طبع بتحقيق العلامة أحمد شاكر قريبًا من ثلث الكتاب، وأكمله الحسيني عبد المجيد هاشم، وصدر عن دار المعارف بالقاهرة، سنة 1394هـ.
3 - طبع بتحقيق شعيب الأرناؤوط، وعادل مرشد، وصدر عن مؤسسة الرسالة، سنة 1420هـ.