أأتمنى أن أفيدكم ومتمنيات للجميع بالتوفيق
صول الفقه (المستصفى من علم الأصول)
القطب الثالث: في كيفية استثمار الأحكام من مثمرات الأصول
يشكل هذا القطب عمدة علم الأصول، لأنه يعتبر مجال اضطراب واكتساب المجتهد لاستعمال الفكر في استنباط الأحكام واقتباسها من مداركها. والمدارك هي الأدلة السمعية ومرجعها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ منه يسمع الكتاب أيضا وبه يعرف الإجماع.
والصادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم من مدارك الأحكام ثلاثة: لفظ، فعل، تقرير.
فأما اللفظ أي القول فإما يدل على الحكم بصيغته ومنظومه أي منطوقه كدلالة الأسد على الحيوان وأقيموا على وجوب الإقامة أو بفحواه ومفهومه أو بمعناه ومعقوله وذلك هو الاقتباس الذي يسمى قياسا كدلالة تحريم الخمر على تحريم النبيذ وهو القياس ويراد به تعميم أحكام الشريعة.
أقسام المفهوم: الاقتضاء. فهم التعليل. المفهوم الموافق (أي المقصود المتكلم عند أبو حامد الغزالي). الإشارة. المفهوم.
أقسام المنطوق: مراتب الدلالة ويدخل فيها المجمل والظاهر والنص. دلالة الأمر والنهي. دلالة العام والخاص.
الفن الأول في المنظوم (المنطوق) وكيفية الاستدلال بالصيغة من حيث اللغة والوضع
بخصوص المنطوق يبتدئ الإمام الغزالي بمقدمة وأربعة أقسام.
بالنسبة للمقدمة فتشمل سبعة فصول:
- نشأة اللغة (مبدأ اللغة اصطلاح أم توقيف). - اللغة هل تثبت قياسا.
- الأسماء العرفية. - الأسماء الشرعية. - القول المفيد وغير المفيد.
- الحقيقة والمجاز. - طريق فهم المراد من الخطاب.
بالنسبة للأقسام الأربعة فتشمل:
- المجمل والمبين - الظاهر والمؤول
- الأمر والنهي - العام والخاص
المقدمة وتشمل سبعة فصول
الفصل الأول: نشأة اللغة العربية
هل هي وقف من الله تعالى أم اجتهاد من الإنسان؟
بالنسبة للغزالي يجوز الوجهان شريطة وجود دليل ويخلص في الأخير أن هذه المسألة فضول كلام لا فائدة منه.
إن الإنسان منذ خلقه الله تعالى كان مكلفا حاملا للأمانة ويدل على ذلك قوله تعالى وآدم في الجنة [وكلا منها رغدا حيث شئتما] وهذا أمر [ولا تقربا هذه الشجرة] وهذا نهي. وهنا يطرح سؤال حول علاقة التكليف بنشأة اللغة.
من خلال فعل الأمر والنهي يلاحظ تواجد خطاب الله تعالى لآدم من جهة وفهم هذا الخطابي الإلهي من قبل آدم من جهة ثانية. إضافة إلى قوله تعالى:[وعلم آدام الأسماء كلها] وقوله تعالى: [ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم]، يمكن الجزم أن اللغة هي وقف من الله تعالى.
ومن الأمور التي يعتمد عليها أصول الفقه، اللغة وهو الدافع الذي كان سببا في البحث عن أصلها ونشأتها. ويقول الإمام الغزالي أن اللغة تشكل المدخل السليم لفهم الخطاب الشرعي.
الفصل الثاني : هل اللغة تثبت قياسا؟
إن هذا الإشكال تترتب عليه أمور كثيرة دفعت إلى القول بمنع القياس في اللغة مطلقا وذلك لعدة أسباب أهمها أن القياس في اللغة يلغي دلالة الألفاظ على المعاني حيث أن كل شخص سيحاول أن يفهم من اللفظ ما يوافق تصوره وإن كان خطأ كمن أول قوله تعالى: [وأظل فرعون قومه وما هدى] فجعل فرعون هو القلب وقومه هم الجوارح. والنصوص كثيرة تدل على أن القرآن أنزل بلسان عربي مبين.
الفصل الثالث: الأسماء العرفية
الألفاظ تدل على المعاني بأحد الأمرين:
- الوضع وهو أن يدل اللفظ على المعنى الحقيقي الذي وضع له أصلا وهو المعنى الحقيقي.
- العرف وهو استعمال اللفظ في معنى لم يوضع له أصلا والاسم يسمى عرفيا باعتبارين :
الاعتبار الأول: أن يوضع الاسم لأشياء ثم تخصصه للبعض مثل الدابة وضع أصلا لكل ما يدب على الأرض ثم خصصه الاستعمال لذوات الأربع. واختصاص اسم المتكلم بالعالم بعلم الكلام علما أن كل قائل فهو متكلم.
الاعتبار الثاني: أن يوضع اللفظ الشيء ثم ينقله الاستعمال لغيره لعلاقة بينهما فصار أصل الوضع منسيا والمجاز معروفا سابقا إلى الفهم بعرف الاستعمال. فالأسامي اللغوية إما وضعية وإما عرفية.
الفصل الرابع : الأسماء الشرعية
حسب المعتزلة والخوارج وطائفة من الفقهاء، الأسماء إما لغوية أو دينية أو شرعية. فأما اللغوية فهي ظاهرة. وأما الدينية فما نقلته الشريعة إلى أصل الدين كلفظ الإيمان والكفر والفسق وغيرها وأما الشرعية فكالصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها.
بالنسبة للغزالي، أنه لا سبيل إلى إنكار تصرف الشرع في هذه الأسامي ولا سبيل إلى دعوى كونها منقولة عن اللغة بالكلية. فعرف اللغة تصرف في الأسامي من وجهين:
الأول: التخصيص ببعض المسميات. فتصرف الشرع في الحج والصوم والإيمان من جنس لفظ الدابة ذلك أنه للشرع عرف في الاستعمال.
الثاني: إطلاق الاسم على ما يتعلق به الشيء ويتصل به كتسمية الخمر محرمة والمحرم شربها وتسمية الأم محرمة والمحرم وطؤها.
الفصل الخامس: الكلام المفيد
بالنسبة للغزالي، الأمور تنقسم إلى ما يدل على غيره وما لا يدل.
فأما ما يدل على غيره فينقسم إلى: ما يذل بذاته وهو الأدلة العقلية وإلى ما يدل بالوضع الذي ينقسم إلى صوت وإلى غير صوت من إشارة ورمز.
فأما الصوت فينقسم في دلالته إلى مفيد وغير مفيد.
والمفيد من الكلام ثلاثة أقسام، اسم وفعل وحرف. وهذا لا يكون مفيدا حتى يشمل على إسمين أسند أحدهما إلى الأخر نحو زيد أخوك أو إسمى أسند إلى فعل نحو ضرب زيد.
أما المركب من الاسم والفعل والحرف تركيبا مفيدا فينقسم إلى:
- مستقل بالإفادة مثال قوله تعالى :[ولا تقربوا الزنا] وقوله عز وجل :[ولا تقتلوا أنفسكم] وهذا يسمى نصا لظهوره، والنص ضربان، الأول نص بلفظه ومنظومه. والثاني نص بفحواه ومفهومه نحو قوله تعالى: [ولا تقل لهما أف] وقد اتفق أهل اللغة أن ما فوق التأفيف أسبق كالضرب.
- ما لا يستقل بالإفادة إلا بقرينة نحو قوله تعالى: [أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح] وقوله عز وجل: [ثلاثة قروء] وكل لفظ مشترك ومبهم. أما قوله : رأيت أسدا وحمارا، إذا أراد شجاعا وبليدا فإنه لا يستقل بالدلالة على مقصوده إلا بقرينة.
- الذي يستقل من وجه دون وجه آخر نحو قوله تعالى: [وآتوا حقه يوم حصاده] وقوله تعالى: [حتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون]، فإن الإيتاء ويوم الحصاد معروف ومقدار ما يؤذى غير معلوم، وكذلك فالقتال وأهل الكتاب معلوم وقدر الجزية مجهول.
وخلاصة القول أن اللفظ المفيد إضافة إلى مدلوله فهو:
- إما لا يتطرق إليه احتمال فهو نص.
- أو يتعارض فيه احتمالات من غير ترجيح فهو مجمل (مبهم).
- أو فيه احتمالات مع ترجيح أحدها على الأخر فهو إما ظاهرا بالإضافة إلى الاحتمال الراجح أو مؤولا بالإضافة إلى الاحتمال البعيد.
إذن فاللفظ المفيد إما نصا أو ظاهرا أو مجملا.
الفصل السادس الحقيقة والمجاز
المجاز هو ما استعملته العرب في غير موضعه، وهو ثلاثة أنواع:
- ما استعير للشيء بسبب المشابهة في خاصية مشهورة، مثل قولهم للشجاع أسد.
- الزيادة، كقوله تعالى [ليس كمثله شيء] فإن الكاف وضعت للإفادة.
- النقصان الذي لا يبطل التفهيم كقوله تعالى: [وسئل القرية] ومعناه وسئل أهل القرية وهو نقصان اعتادت عليه العرب.
وقد يعرف المجاز بإحدى علامات أربع وهي:
- أن الحقيقة جارية على العموم في نظائره.
- أن يعرف بامتناع الاشتقاق عليه.
- أن تختلف صيغة الجمع على الاسم حيث يعلم أنه مجاز في أحدهما، مثال ' الأمر' الحقيقي جمعه أوامر وإذا أريد به الشأن يجمع على أمور.
- أن الحقيقي إذا (كان، له) تعلق بالغير فإذا استعمل فيما لا تعلق له به لم يكن له متعلق. مثال القدرة إذا أريد بها الصفة كان لها مقدور وإن أريد بها المقدور كالنبات الحسن العجيب إذ يقال (أنظر إلى قدرة الله تعالى) أي إلى عجائب مقدوراته لم يكن له متعلق إذ النبات لا مقدور له.
وكل مجاز فله حقيقة، وليس بالضرورة كل حقيقة لها مجاز حيث أنه هناك نوعان من الأسماء لا مجاز لها : - أسماء الأعلام لأنها وضعت للتمييز بين الذوات مثل أحمد، محمد - والأسماء التي لا أعم منها ولا أبعد كالمعلوم والمجهول والمدلول والمذكور.
الفصل السابع طريق فهم المراد
إن طريق فهم المراد من الخطاب وهو عادة بالنسبة للأمة عن طريق السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بمعرفة وضع اللغة التي بها المخاطبة.
- فإن كان نصا لا يحتمل تكفي فيه معرفة اللغة.
- وإن تطرق إليه الاحتمال لا يعرف المراد منه حقيقة إلا بانضمام قرينة إلى اللفظ.
والقرينة :
- إما لفظ مكشوف نحو قوله تعالى : [وآتوا حقه يوم حصاده] والحق هو العشر.
- إما إحالة على دليل العقل نحو قوله تعالى : [والسموات مطويات بيمينه] وقوله صلى الله عليه وسلم "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان"
- إما قرائن أحوال من إشارات ورموز وحركات وسوابق ولواحق ينقلها لنا الصحابة بألفظ صريحة مع قرائن من ذلك الجنس أو من جنس آخر حنى توجب علما ضروريا بفهم المراد ّأو توجب ظنا.
كيفية اقتباس الأحكام من الصيغ والألفاظ المنطوق بها. وهي أربعة أقسام :
- المجمل والمبين - الظاهر والمؤول
- الأمر والنهي - العام والخاص
القسم الأول: المجمل والمبين
مقدمة: اللفظ من حيث دلالته ينقسم إلى 3 أقسام: الظاهر والنص والمجمل.
- النص ما لا يحتمل إلا معنى واحد.
- الظاهر ما يحتمل أكثر من معنى لكنه راجح في أحدها.
- المجمل ما يحتمل أكثر من معنى وليس أحدها أرجح من الآخر.
الْمُبَيَّنُ: هوَ النَّصُّ، والنَّصُّ لا يَحتمِلُ إلاَّ مَعنًى واحدًا.
المجمل:
التعريف: المجمل هو اللفظ الصالح لأحد المعنيين والذي لا يتعين معناه لا بوضع ولا بعرف الاستعمال.
من هنا نجدالإمام الغزالي يراجع ما انتهى إليه كثير من الأصوليون في وصف كثير من القرآن الكريم والسنة بالإجمال أي أن كثير من الأصوليون لما لم ينطلقوا من القواعد (قواعد دلالة اللفظ على المعنى أي الوضع والاستعمال) أشكل عليهم فهم تلك الألفاظ ثم سموها مجملة. فهل في الشريعة مجمل؟
إن المبين الوحيد لما في القرآن والسنة من الإجمال هو الرسول الكريم صلى الهف عليه وسلم وإليه كان يلجأ الصحابة رضوان الله عليهم في فهم ما أشكل عليهم من ألفاظ الشريعة حيث كانت هناك ألفاظ مجملة في الشريعة لكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل وفاته بين كل الألفاظ المجملة وبالتالي لم يعد مجال للقول بأن في الشريعة ألفاظ مجملة.
مسائل في المجمل:
المسألة الأولى: قوله تعالى: - [حرمت عليكم الميتة والدم...]
- [حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ...]
- [أحلت لكم بهيمة الأنعام ...]
الإشكال المطروح هنا والذي اعتبر مجملا هو ما الذي حرم في الميتة والأمهات والبنات وما الذي أحل في بهيمة الأنعام.
لماذا هذا الإشكال، من منطلقات الشريعة ومبادئها فالأحكام الشرعية تتعلق بالأفعال لا بالأعيان وهو ما يمكن لمسه من تعريف الحكم عند الأصوليين بأنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين اقتضاء أو تغييرا أو وضعا، والحكم هنا متعلق بالأعيان (الميتة والأمهات والبنات وبهيمة الأنعام). وقد اختلف الأصوليون في التعامل مع هذا الإشكال.
حيث قال البعض وهم القدرية (على حد تعبير الغزالي) إلى أن العقل قاصر عن تحديد فعل معين يكون هو متعلق الحكم بدل العين المذكورة وهنا يمكن له أي للعقل أن يقدر تقديرات متعددة من غير تحديد مثل حرم عليكم النظر إلى الأمهات أو الكلام معهن أو نكاحهن أو الجلوس معهن وكذا بالنسبة للميتة حرم لمسها وأكلها ومشاهدتها وكذلك بهيمة الأنعام فلما كان العقل قاصرا عن تحديد أي منها ليكون محلا للحكم قالوا إنه مجملا. وهو عندالإمام الغزالي خطأ.
ذلك أنه لفهم لفظ الشارع ينطلقالإمام الغزالي من قاعدتين هما الوضع والاستعمال. حيث أنه إذا لم يكف الوضع في فهم المراد يتم اللجوء إلى الاستعمال وهو هل جرت عادة العرب وهم أهل اللغة بالنطق بمثل ذلك التركيب الذي نبحث عن مراده.
وإذا رجعنا إلى قاعدة الاستعمال وجدنا أن العربي إذا سمع مثل هذا الكلام لا يفهم منه في الآية الأولى إلا أن الميتة حرم علينا أكلها والثانية أي الأمهات نكاحهن لأن التقدير هنا حرم عليكم نكاح أمهاتكم والثالثة أي بهيمة الأنعام أكلها ومثل هذا التركيب هو ما يسمونه (حذف المضاف) وإقامة (المضاف إليه) مكانه ومثله قوله تعالى: [وسئل القرية] فالعربي لعلمه بمنطق اللغة العربية يعلم أن المراد هو أهل القرية.
المسألة الثانية قوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" يقتضي بالوضع نفي نفس الخطأ وليس الأمر كذلك وإنما المراد به رفع حكمه لا على الإطلاق بل الحكم الذي عرف بعرف الاستعمال. وهنا لابد من تقدير محذوف أي رفع عن أمتي ذنب الخطإ والنسيان.
القسم الثاني: الظاهر والمؤول
تذكير : الظاهر هو ما احتمل أحد أمرين أحدهما أرجح، فالراجح هو الظاهر والمرجوح هو المؤول ولا يصار إلى المؤول إلا بدليل يدعمه.
تعريف المؤول
فإن حمل اللفظ على المعنى الآخر سمي مؤولا، وإنما يؤول بالدليل، كما قال: ويؤول الظاهر بالدليل، ويسمى ظاهرا بالدليل، أي كما يسمى مؤولا، ومنه قوله تعالى: [والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون] ظاهره جمع يد، وذلك محال في حق الله تعالى، فصرف إلى معنى القوة بالدليل العقلي القاطع.
مثال الظاهر كما في حديث « أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم. »2 فعندنا الوضوء قد يطلق على غسل اليدين اللي هو النظافة، وقد يطلق على الوضوء الشرعي المعروف، فهو ظاهر في كونه المراد به الوضوء الشرعي المعروف مع احتمال أن يكون المراد به النظافة، لكن هذا احتمال ضعيف، وما جاء شيء يقويه، فيبقى على الظاهر، يبقى على الظاهر، والمراد به الوضوء الشرعي المعروف مثال التأويل الصحيح قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾3 ما معنى إذا قمتم؟ إذا أردتم، ما يمكن لإنسان إذا دخل في الصلاة يتوضأ، فلا بد أن نقول: المعنى إذا قمتم، بمعنى إذا أردتم.
مسائل في المؤول:
المسألة الأولى: قوله تعالى: [إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ...].
قال قوم أن هذه الآية نص في التشريك لأنه أضاف إليهم بلام المليك (للفقراء) وعطف بواو التشريك (والمساكين) فالصرف إلى واحد إبطال.
وهذا عند الإمام الغزالي باطل، لأنه هذا النص هو عطف على قوله تعالى: [ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الهوس يؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون، إنما الصدقات للفقراء والمساكين...]، فطمع هؤلاء في الزكاة وهم لا يستحقونها لعدم توفرهم على شرط الاستحقاق باطل ثم عدد شروط الاستحقاق ليبين مصرف الزكاة ومن يجوز صرف الزكاة إليهم.
المسألة الثانية: قوله تعالى: [فإطعام ستين مسكينا ...].
الإشكالية في التأول، إذا نظرنا إلى هذه الآية من حيث مفرداتها نجدها نصا ذلك أن الإطعام معلوم وستين نص لأنها عدد والمسكين معلوم، غير أن النظر إليه من حيث تركيبها نجد فيها احتمال الحذف فيكون المعنى فإطعام طعام ستين مسكينا وعلى هذا التقدير إما أن تعطي سيتن شخصا مسكينا. وإما أن تعطي مقدار طعام ستين مسكينا لمسكين واحد والذي يرجح أحد الاحتمالين على الآخر هو مقدار ما يحقق كل منهما من مقصود الشارع في هذه الكفارة.
وهنا يختلف باختلاف العلماء المجتهدين، لأن المجتهد يبحث عن أبلغ مقامات الامتثال ذلك أن المكلف يتعبد الله بهذا الإطعام لذا يجب أن يحرص على تحقيق أبلغ مقاصد الشارع من هذا التشريع.
ومن المسائل في تأويل الظاهر بعض ما يتعلق بتخصيص العام لأن العام من قبيل الظاهر فتخصيصه تأويل له ومثال هذه المسائل، قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير أهلها فنكاحها باطل" هذا الحديث عام (من العموم القوي) ويصعب تخصيصه وما يؤكد على عموميته:
- 'أي' وهي من ألفاظ العموم وهنا شرطية.
- تؤكد 'أي'ب 'ما' (أيما) وهي من المؤكدات المستقلة بإفادة العموم.
- وجود نكرة وهي 'امرأة" في سياق الشرط وهو أيضا من ألفاظ العموم.
- أنه رتب الحكم على الشرط في معرض الجزاء وهو أيضاء يؤكد قصد العموم.
فائدة مهمة: الأصل في النكرة أن تكون للإطلاق مثل 'جاء رجل' ولا تفيد العموم إلا في سياقين: 1- سياق النفي كقوله تعالى: [فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الجح] وكحديثه صلى الله عليه وسلم "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" 2- سياق الشرط ومثاله قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير أهلها فنكاحها باطل وقوله تعالى: [وغن أحد من المشركين استاجرك فأجره]
فكل هذا مما يؤكد العموم ومن الصعب تخصيصه إلا بدليل قوي جدا.
المسألة الثالثة: قوله تعالى: [واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ...]، وهنا آية عمومها ضعيف ويكفي دليل ولو لم يكن قوي لتخصيصها. والعموم في الآية يظهر في :
- اليتامى فهو إسم جنس معرف فهو عام لكل يتيم غنيا أم فقيرا.
- ذي القربى والمراد هنا بنو هاشم وهو أيضا عام.
الإشكال هو هل العطاء يشمل كل قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم واليتامى كذلك سواء كانوا فقراء أو أغنياء؟
قال فريق من الفقهاء إلى أن العطاء مطلق لجميع هؤلاء وذلك انطلاقا من قواعد اللغة العربية لأن اللفظين عامين فليحملا على ظاهرهما.
قال فريق آخر من الفقهاء العطاء لا يشمل إلا الفقراء المحتاجين منهم، فالقرآن الكريم عند هؤلاء ذكر صفة الاستحقاق والقرابة واليتم وترك شرطه أي الحاجة والفقر وإنما ترك القرآن الكريم هذا الشرط لأنه معلوم من فقواعد الشارع وأصولها وذلك لأنه لا معنى للتصدق على الغني.
اصطلاحا ت فقهية:
قسم العلماء الألفاظ من حيث دلالتها إلى مراتب: النص الظاهر المجمل المتشابه.
فيما قسم علماء الحنفية الألفاظ من حيث دلالتها إلى قسمين في كل قسم أربعة مراتب:
القسم الأول ألفاظ واضحة الدلالة: النص الظاهر المفسر المحكم
القسم الثاني ألفاظ غير واضحة الدلالة: الخفي المشكل المجمل المتشابه
دوران المعاني في الشرع:
تدور المعاني في الشرع على ضابطين اثنين هما: الوضع القصد.
- فإن كفى الوضع في إظهار المعنى فذاك هو النص وإذا افتقر اللفظ لبيان القصد فذاك هو الظاهر أو المؤول.
- والقصد نوعان: شرعي ولغوي.
أنواع الوضع:
الوضع اللغوي وضعان هما: - إفرادي معجمي وهو معرفة دلالة اللفظ في معجم اللغة العربية. – تركيبي أو إسنادي وهو محاولة معرفة أحوال الإسناد وتركيب الكلمات.
فائدة معرفة الوضع:
1- عدم المعرفة بهذين المستويين يؤدي إلى عدم فقه شرع الله تعالى وقوله عز وجل: [ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم].
2- من كان عنده هذا العلم فهو منخرط في شعار النبوة (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت).
3- يترتب على الفقه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيق مصالح العباد.
فائدة الفرق بين العام والمطلق:
- العام: يندرج فيه كل ما يصلح له اللفظ مثال ما رأيت رجلا أي جميع الرجال.
- المطلق: لا يندرج فيه كل ما يصلح له اللفظ بل المراد بعضه لكنه غير معين ومن صيغه النكرة في سياق الإثبات مثال "رأيت رجلا" أي واحدا ولكنه غير معين من بين الرجال لكن على سيبل البد لا الجمع.
القسم الثالث: الأمر والنهي
تذكير: قسم الإمام الغزالي المنطوق إلى ثلاثة أقسام كبرى هي:
- مراتب الدلالة (النص والظاهر والمؤول والمجمل والمبين)
- الأمر والنهي
- العام والخاص.
وبالتالي يتضح أن الأمر والنهي من قضايا المنطوق وقد جرت العادة عند الأصوليون في باب الأمر والنهي إلى ثلاثة قضايا كبرى:
مفهوم الأمر والنهي.
دلالة الأمر والنهي.
دلالة الأمر على بعض لوازمه وأهمها:
+ دلالته على الخوارم أم التراخي.
+ دلالته على المرة أم التكرار.
أولا: مفهوم الأمر
عند الغزالي، الأمر هو 'القول المقتضي طاعة المأمور بفعل مأموريته' وغاية ما يريده الإمام الغزالي من تعريفه أن ما يستفاد من صيغة الأمر هو الاقتضاء أي الطلب، وبالتالي فالأمر يدل على الطلب فهو موضع له حقيقة فيه.
ثانيا: دلالة الأمر وصيغه
صيغ الأمر كثيرة ومتعددة مثل قول الشارع أمرتكم فرضت عليكم وأشهر الصيغ التي تثار هنا هي 'افعل' وهي إن وردت في كلام الشارع إما أن تدل على الطلب أو على غيره كالتهديد والتحقير والتسخير.
وذهب الإمام الغزالي إلى أن دلالتها على الطلب هو الأصل أملا الدلالة على غيره فلا بد من قرينة.
مثاله قوله تعالى: [فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر] فاصل لفظي فليومن وليكفر أنها بدلا على الأمر حتى يرد ما يصرفهما عنه. ومثاله كذلك قوله تعالى: [ذق إنك ألنت العزيز الكريم] فأصل لفظ ذق الدلالة على الأمر إلا أن القرينة هنا قائمة على المراد به الإهانة.
ومن الآيات كذلك التي جاء فيها الأمر دالا على غير الطلب بقرينة، قوله تعالى:
- [واستشهدوا شهيدين من رجالكم].
- [وإذا حللتم فاصطادوا].
- [كلوا مما رزقكم الله].
- [فاصبروا أو لا تصبروا].
دلالة صيغة 'افعل'
اختلف الأصوليون في دلالة صيغة 'افعل' وقد ناقش الإمام الغزالي هذه المسالة من مقامين:
- الأول بيان هل الصيغة حقيقة في الاقتضاء والطلب أم لا؟ وقد رجح صيغة 'افعل' حقيقة في الطلب والاقتضاء، ذلك أن قول 'افعل كذا' مخالف لقول 'إن شئت افعل كذا وإن شئت لا تفعل' فالأول ترجيح جانب الفعل وهذا الترجيح هو نفسه معنى الاقتضاء والطلب.
وأما من قال إنها مشتركة بين الطلب وغيره من المعاني كالإباحة استنادا إلى أنه يأتي دالا على جميع هذه المعاني فقول ضعيف حسب الإمام الغزالي، والدليل على ذلك أن العديد من الألفاظ حقيقة في معنى ما مع أنها تأتي للدلالة على معاني أخرى.
مثال، وضعت العرب الفعل الماضي للدلالة على الحدث في زمن مضى ومع ذلك فإنه يأتي دالا على معنى الاستقبال كقوله تعالى: [أتى أمر الله] ودليل كونه دالا على الاستقبال قوله تعالى بعده مباشرة [فلا تستعجلوه] وإنما الاستعجال ما لم يحدث بعد وهذا كله من قبيل المجال.
وبالتالي فالصيغة حقيقة في الدلالة على الاقتضاء والطلب إما طلب فعل أو طلب الكف فالأول يدل عليه الأمر والثاني يدل عليه النهي.
- الثاني بيان هل الأمر حقيقة في الوجوب أو الندب أو في القدر المشترك بينهما؟ وقد سبقت الإشارة إلى أن الأمر حقيقة في الطلب وكل الوجوب والندب يشتمل على الطلب مع ترجيح جانب الفعل على جانب الترك. فهل هو حقيقة في الوجوب أو في الندب أو القدر المشترك بينهما؟ اختلف الأصوليون في هذا، واختار الإمام الغزالي التوقف.
والتوقف معناه أن الأمر صالح للوجوب والندب معا ولا يتعين لأحدهما إلا بقرينة. وقد استدل على اختياره بأن تخصيص الأمر بأحد المعنيين مع أنه كثير فيهما معا، لابد أن يستند إلى دليل ما والدليل إما أن يكون:
- دليلا نقليا وهو إما آحاد والأخبار الأحادية لا تبثث بهار الأصول. وإما متواترا وهذا لا وجود له بدليل وقوع الخلاف في دلالة الأمر قديما وحديثا.
وبالتالي فالدليل العقلي مرفوض وخبر الآحاد مردود والمتواتر مفقود فلا يبقى لتخصيص الأمر بأحد المعنيين مستند فسقط القول به.
القسم الرابع: العام والخاص
من أبرز القضايا التي يوردها الأصوليون:
- مفهوم العام - صيغ العام ودلالاته - مخصصات العام
العام هو مصطلح واصف لنوع من أنواع ألفاظ اللغة العربية من حيث دلالته على المعنى.
تعريفه: اللفظ الواحد الدال من جهة على شيئين فصاعدا.
علاقة اللفظ بالمعنى: اللفظ بإزاء المعنى له ثلاث حالات:
- اللفظ الموضوع لمعنى معين واحد وهذا هو الخاص.
- اللفظ الدال على معنيين أو أكثر على سبيل البدل لا الجمع هذا هو المشترك.
- اللفظ الموضوع لمتعدد من المعاني بحيث يستغرقها جميعها وهذا هو العام.
تقسيم آخر للفظ الدال على أكثر من معنى واحد وهو العام
اللفظ الدال على معنيين أو أكثر وله حالتين:
- عموم شامل ويشمل المعاني التي يدل عليها وهو العموم.
- عموم على سبيل البدل حيث لا يصلح لجميعها وإنما لمعنى واحد غير معين وهو العموم المطلق.
مثل: - رأيت الطلبة هذا شامل لجميع ما يدل عليه ولكي تكون صادقا لا بد أن تكون قد رأيت إثنين فصاعدا. – رأيت طالبا واحدا لكنه يمكن أن يكون أيا من الطلبة فهو شامل على سبيل الإطلاق.
إشكال في دلالة اللفظ العام
اختلف العلماء في اللفظ هل يدل على العموم أم لا؟ أي هل يشمل جميع أفراده بنفسه وبلا حاجة إلى دليل خارجي. والسبب في ذلك أنا وجدنا في القرآن الكريم ألفاظا متشابهة بعضها عام وبعضها لا، فكيف كان الأول هو الحقيقي لا الثاني؟
مثال: قال الله تعالى:
- [ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس].
- [الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم].
- [يا أيها الناس اعبدوا ربكم].
بالنظر إلى لفظ الناس في الآية الثالثة أي [يا أيها الناس] فالمراد باللفظ عموم الناس أي كل من كانت صفته إنسان بغض النظر عن كونه عربي أم لا.
أما الآية الثانية أي [الذين قال لهم الناس] المقصود شخص واحد، فكيف اختلفت الدلالة مع أن اللفظ واحد (الناس).
ومما يدفعنا إلى التحقق من مفهوم العام أيضا أن العموم المفهوم من قوله تعالى: [يا أيها الناس] يفيد خارج صيغته بالعقلاء لما عرف من أن الخطاب إنما يوجه إلى من يفهمه، ومثل كذلك في كثير من عموميات القرآن كقوله تعالى: [تدمر كل شيء بأمر ربها] بما في ذلك المساكن مع أنها غير مرادة.
ومن الألفاظ الدالة على العموم والتي وقع فيها الخلاف نجد:
1- اللفظ المفرد إذا دخلت عليه 'أل' كقوله تعالى: [إنما حرم عليكم الميتة].
2- إسم الجمع وقد اختلفوا هل يدل العموم بنفسه أم لا بد له من أمر خارجي ليفيد العموم كإضافة مثل ومن ذلك قوله تعالى: [إنما أموالكم وأولادكم فتنة].
3- صيغة الجمع كقوله تعالى: [إنما المؤمنون إخوة] وقد اختلفوا هل لفظ "المؤمنون" كانت عموما من 'الجمع' أم من 'أل' الداخلة عليه.
فهل يراد من لفظ المؤمنون من كان موجودا أثناء الخطاب ومن وجد قبله ومن سيوجد بعده وهذا معنى العموم، وكان الاختلاف حول هل يحمل على الجميع بناء على ما يفيده اللفظ أم نقيده بمن خوطب به؟ وهذا الإشكال هو ما يجمل في قولهم، هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب والراجح هو الأول أي بعموم اللفظ.
4- من ألفاظ العموم إجمالا النكرة وذلك في السياقات التالية:
- إذا دخلت عليها "أل" الجنسية.
- إذا أضيفت.
- إذا جاءت في سياقين من الكلام العربي وهما : النفي (قوله تعالى: [فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج]) والشرط (قوله تعالى: [وإن أحد من المشركين استاجرك فأجره])
5- أسماء الشرط مثال قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" وقوله تعالى: [وما تفعلوا من خير يعلمه الله] وقوله عز وجل: [أينما تكونوا يدركم الموت].
6- الأسماء الموصولة مثال قوله تعالى: [والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم] وقوله تعالى: [والذين يتوفون منكم ويدرون أزواجا وصية لأزواجهم].
7- من العلماء من يأخذ العموم من التقدير في الكلام كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى: [وأنفقوا مما رزقناكم] إذ قال أنه أي الإنفاق فكأنه قدر مصدرا في الكلام أي أنفقوا نفاقا ومن هنا جاء العموم.
أنواع العموم
للعام عند الاستعمال ثلاثة أحوال:
- عام يراد به العموم وهذا هو الأصل فيه.
- عام يراد به الخصوص وهو اللفظ العام الذي يقصد به بعض أفراده ابتداء من غير حاجة إلى مخصص.
- عام مخصوص وهو العام المحتمل للتخصيص من أمر خارجي.
أنواع المخصصات
- مخصصات متصلة: الاستثناء، الشرط، الغاية، الوصف ... وهذا النوع ليس معتبرا عندنا لأنه داخل في دلالة اللفظ بمفهومه وهو المسمى بمفهوم المخالفة.
- مخصصات منفصلة وهي نوعان:
* مخصص عقلي وهو إما دليل عقلي أو دليل حسي.
* مخصص نقلي وهو القرآن والسنة والإجماع.
أنواع الألفاظ الدالة على العموم
- ما يدل على العموم بذاته.
- ما يدل على العموم بغيره.
أولا ما يدل على العموم بذاته: هي ألفاظ وضعت لتدل على العموم أصلا من غير افتقار إلى غيرها وهي:
* الأسماء الموصولة: الذي، التي، الذين، اللاتي، اللائي، حيثما.
* أسماء الاستفهام: متى، أين، كيف.
* أسماء الشرط: ما، من، مهما، أي، متى، أيان، حيتما، أنى.
ثانيا: ما يدل على العموم بغير: هي ألفاظ لا تفيد العموم بحسب وضعها بل أضيف إليها لتفيد العموم نوعان:
* ما يكون قبل الاسم وهي أنواع:
+ الألف واللام مثل الرجل، المؤمن، المؤمنون. ومعنى العموم هنا أن اللفظ يعم كل من كان فيه صفة الرجولة وصفة الإيمان.
+ أقسام التوكيد مثل كل، جميع كقوله تعالى: [وكل آتوه داخرين] وقوله أيضا: [كل نفس ذائقة الموت].
+ النكرة في سياق النفي والشرط.
* ما يكون بعد الاسم: وهو يكون فيما إذا أضيف الاسم إلى غيره كقوله تعالى: [إنما أموالكم وأولادكم فتنة] وقوله عز وجل: [والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم].
والمشهور عند العلماء للتفريق بين الوارد ابتداء والوارد عقب سؤال أو حادثة أن الأول عام في جميع أفراده وأما الثاني فهو نوعان:
* ما كان في لفظ العام يستقل بنفسه وهنا المعتبر اللفظ لا السبب.
* ما كان فيه اللفظ غير مستقل بنفسه بل يكون مفتقرا إلى سببه والمعتبر السبب.
مثال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض المياه فقال: "خلق الماء طهورا لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه".
فدعوى الخصوص في السبب إما أن تكون في المجمل كالسائل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال له: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وجمهور العلماء قالوا أن ما كان من هذا النوع الأول فهو عام ومن ثم قالوا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
سؤال: هل كل حكم ورد على معين يعم أم أن منها ما صار خاصا بالعين التي ورد فيها؟
أمثلة:
حرم الله تعالى الحرير على الرجال ثم أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمان بن عوف لبسه فهل هو نسخ للتحريم السابق أم هو خاص بعبد الرحمان بن عوف؟
أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن دينار أن يضحي بالعناق وأخبره أن ذلك خاص به لا بغيره.
أجاز النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة وحده وأخبره أنه يقوم مقام شاهدين.
قال تعالى: [وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى] في خطاب لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال عز وجل: [وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب].
فهل هذه المسائل والأحكام خاصة بأسبابها أم عامة فيها وفي غيرها.
مستند العلماء في التعميم والتخصيص
أما مستندهم في تعميم الأحكام فيرجع إلى أمرين رئيسيين هما:
قصد التكليف القائم على أن الناس جميعا متساوون في الشريعة بما فيهم الأنبياء أنفسهم فلا يتميزون إلا بالرسالة والنبوة والبلاغ.
قصد الامتثال أي أن يكون الناس جميعا عباد لله اختيارا كا أنهم كذلك اضطرارا لأن الشريعة إنما تهدف إخراج الناس من عبادة الأهواء وأن يستقيم الناس على الهدى والبينات من وحي الله.
وأما مستندهم في تخصيص بعض الأحكام بأسبابها خلاف بعض الأحكام لا تظهر لها علة عندهم أي غير معقولة المعنى وهي ما يطلق عليها الأحكام التعبدية.
وهذا مكن دقة المنهج الذي أقامه الأصوليون، فإنهم وإن اعتبروا العموم في الألفاظ فلم يهملوا السبب بل اعتبروه في هذا النظر المنهجي وأنزلوه منزلته اللائقة به، ثم إنهم اعتبروا السبب خادما للفهم مبينا للمعنى وفي هذا المعنى نجد عدة عبارات عند العلماء متواترة مشهورة كقولهم: العلم بالسبب يورث علما بالمسبب. واعتبارهم السبب هنا ليس معارضا للقاعدة المتقدمة في عموم اللفظ وإنما اعتبروه حين لم يظهر لهم وجه مصلحي في تعميم الحكم.
تطبيق على الأمثلة السابقة:
نظر العلماء إلى تخصيص عبد الرحمان بن عوف بلبس الحرير فقالوا إن ذلك إما لصفة فيه أو لعمل عمله فلما بحثوا وجدوا أنه كان به مرض إذا لبس غير الحرير اشتد عليه فقالوا إذن الإباحة هنا إما أن سببها هو هذا الداء فهو عام في كل من وجدت فيه هذه العلة وإما أخر لم يظهر لنا فهو خاص به.
قوله تعالى: [وقرن في بيوتكن] قال العلماء إنه خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم دون نساء العالمين ودليل التخصيص أن المرأة في عصر النبوة كانت حاضرة في الميادين كلها من الصلاة إلى الجهاد ولو كان عاما لدخلت في الخطاب أيضا ولما وجدناها في تلك الميادين.
مسألتان أخريان في باب العام
بقي معنا مما أثير النقاش حوله عند الأصوليين: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم
حكاية الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم (الأحاديث الموقوفة أي قول الصحابي):
الأولــى: أفعال النبي صلى الله عليه وسلم مما جرى فيه النقاش في باب العموم خصوصا لما قام دعاة السنة في زماننا أو رفع تطبيق السنة.
ولتحرير الموضوع لابد من بيان السنة ومعناها، والسنة لها معنيين:
- المراد بها مصدر تشريعي من مصادر الأحكام في الإسلام. وهنا السنة شاملة لقول وفعل وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم.
- قد تطلق ويراد بها حكم شرعي وهو المندوب أي ما ليس فرضا مما هو مطلوب.
وما تجب إليه الإشارة أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليها الأصوليون من جهتين كأقواله تماما:
من جهة ما تدل عليه من الأحكام (واجبة، مندوبة، مباحة).
من جهة عمومها وخصوصها هل تعم جميع المكلفين أم هي خاصة به.
والذي عليه الأصوليون أن الأفعال لا عموم لها لأننا إذا رجعنا إليهم نجد أنهم لما عرفوا العام انطلقوا من كونه لفظا وهو قولهم (العموم من عوارض الألفاظ لا من عوارض المعاني والأفعال).
لذلك فلكي يعم الفعل فإننا نبحث عن عمومه من جهة أخرى غير الفعل كقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي".
ولا بد لمن أراد أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم هاتين الجهتين فلا يكون إتباعنا له معتبرا ومجزئا لا بد أن ندرك على أي وجه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الفعل أعلى وجه الوجوب أو الندب أو الإباحة وهل هو عام له ولغيره أم خاص به ويقول العلماء (إن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم يوشك أن يكون مخالفة له إذا لم نعلم على أي وجه فعل الفعل).
الثــانية: إذا قال الصحابي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أو نهى، ناقش الأصوليون هذه المسألة هل تدل على العموم أم لا؟
وأجابوا على أن الدال على العموم هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم أمالا ما حكاه عنه غيره فلا عموم له.
أنواع أقوال الصحابي: لقد ميز العلماء قول الصحابي وقسموه إلى نوعين:
ما كان رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم حكما ما ثم يعبر عنه بقوله هو. فهذا حجة ولو لم يكن مفيدا للعموم.
ما كان من رأيه ليس مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. أما هذا فلا.
وقد وضع الأصوليون ضابطين لمعرفة ما هو من رأي الصحابي وما هو من سمعه وهما:
+ ما صرح فيه الصحابي بذلك كقوله أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
+ ما كان مما لا مجال للاجتهاد فيه لأنه لا يقول ذلك إلا إذا سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.